إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

عبارات موهمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبارات موهمة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    عبارات موهمة

    بقلم / د.محمد بن عمر بازمول
    إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه ، و نستغفره، ونعوذ بالله، من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
    ﴿يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلاَتَمُوتُنّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مّسْلِمُونَ
    ﴿يَآأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوْا رَبَّكُمُ الَّذِيْ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيْراً وَنِسَآءً وَاتَّقُوْا اللَّهَ الَّذِيْ تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيْباً
    ﴿يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً.
    أما بعد: فإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    أمّـا بعد: فإني أريد في هذه المقالة التنبيه على ألفاظ وعبارات تجري على ألسن بعض الناس يتوهمون صحتها وصوابها، وهي على أحوال:
    تارة تكون الكلمة حق ولكن تستعمل في غير محلها.
    وتارة تكون حقاً ولكن يريد بها قائلها معنى باطلاً، فهي كلمة حق أريد بها باطل.
    وتارة تكون الكلمة باطلة جملة وتفصيلاً.
    وتارة تأتي الكلمة محتملة لمعنيين، فتصح على أحدهما وتكون باطلة على الآخر.
    والتنبيه على هذه العبارات ونحوها في هذه الأحوال من المهمات، خاصة وأن استعمال أمثال هذه العبارات جرى من بعض الناس لتقرير الباطل وإلباسه لباس الحق، وهم يزخرفون بدعتهم بهذه الألفاظ موهمين صحة ما لديهم من باطل، ولا حول و لا قوة إلا بالله.
    وقد قرر أن تيمية (ت728هـ) رحمه الله أن عمدة من يخالف الكتاب والسنة إمّا أن يحتج بأدلة عقلية، يظنها برهانا وأدلة قطعية، وتكون شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة ومعان متشابهة لم يميز بين حقها وباطلها، كما يوجد مثل ذلك في جميع ما يحتج به من خالف الكتاب والسنة، إنما يركب حججه من ألفاظ متشابهة فإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل، وهذه هي الحجج العقلية.
    وإمّا أن يحتج بنقل كاذب، وهذه هي الحجج السمعية، فهي إما أن تكون كذبا على الرسول صلى الله عليه وسلم، أو تكون غير دالة على ما احتج بها أهل الباطل؛ فالمنع إما في الإسناد، وإما في المتن ودلالته على ما ذكر، وهذه الحجة السمعية هذه حجة أهل العلم الظاهر.
    وإمّا أن يحتج بخطاب ألقي إليهم اعتقدوا أنه من الله وكان من إلقاء الشيطان، وهذه هي حجة أهل الذوق والوجد والمكاشفة والمخاطبة؛ وهي على نوعين :
    فإن أهل الحق من هؤلاء لهم الهامات صحيحة مطابقة.
    ويقع أيضا ما يظن أنه منه كثير أو لا يميز كثير منهم الحق من الباطل كما يقع في الأدلة العقلية والسمعية، فمن هؤلاء من يسمع خطابا أو يرى من يأمر بقضية ويكون ذلك الخطاب من الشيطان ويكون ذلك الذي يخاطبه الشيطان وهو يحسب أنه من أولياء الله من رجال الغيب، ورجال الغيب هم الجن وهو يحسب أنه أنسي، وقد يقول له: أنا الخضر أو إلياس بل أنا محمد أو إبراهيم الخليل أو المسيح أو أبو بكر أو عمر أو أنا الشيخ فلان أو الشيخ فلان ممن يحسن بهم الظن، وقد يطير به في الهواء أو يأتيه بطعام أو شراب أو نفقة، فيظن هذا كرامة بل آية ومعجزة تدل على أن هذا من رجال الغيب أو من الملائكة، ويكون ذلك شيطانا لبس عليه، فهؤلاء يتبعون ظنا لا يغني من الحق شيئا. ولو لم يتقدموا بين يدي الله ورسوله بل اعتصموا بالكتاب والسنة لتبين لهم أن هذا من الشيطان.
    وكثير من هؤلاء يتبع ذوقه ووجده وما يجده محبوبا إليه بغير علم ولا هدى ولا بصيرة، فيكون متبعا لهواه بلا ظن، وخيارهم من يتبع الظن وما تهوى الأنفس، وهؤلاء إذا طلب من أحدهم حجة ذكر تقليده لمن يحبه من آبائه وأسلافه، كقول المشركين: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ (الزخرف: من الآية23). وإن عكسوا احتجوا بالقدر وهو أن الله أراد هذا وسلطنا عليه فهم يعملون بهواهم واردة نفوسهم بحسب قدرتهم كالملوك المسلطين؛
    وكان الواجب عليهم أن يعملوا بما أمر الله، فيتبعون أمر الله وما يحبه ويرضاه، لا يتبعون إرادتهم وما يحبونه وهم يرضونه وأن يستعينوا بالله فيقولون: إياك نعبد وإياك نستعين، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا يعتمدون على ما أوتوه من القوة والتصرف والحال، فإن هذا من الجد وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عقب الصلاة وفى الاعتدال بعد الركوع: "اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"، فالذوق والوجد هو يرجع إلى حب الإنسان ووجده بحلاوته وذوقه وطعمه وكل صاحب محبة فله في محبوبه ذوق ووجد، فان لم يكن ذلك بسلطان من الله وهو ما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم كان صاحبه متبعا لهواه بغير هدى، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ﴾ (القصص: من الآية50)، وقال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ (الأنعام:119).
    وكذلك من اتبع ما يرد عليه من الخطاب أو ما يراه من الأنوار والأشخاص الغيبية، ولا يعتبر ذلك بالكتاب والسنة فإنما يتبع ظنا لا يغنى من الحق شيئا.
    وليس في المحدثين الملهمين أفضل من عمر رضي الله عنه، وكل من كان من أهل الإلهام والخطاب والمكاشفة لم يكن أفضل من عمر فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة تبعا لما جاء به الرسول لا يجعل ما جاء به الرسول تبعا لما ورد عليه.
    وهؤلاء الذين أخطؤا وضلوا وتركوا ذلك واستغنوا بما ورد عليهم، وظنوا أن ذلك يغنيهم عن اتباع العلم المنقول، وصار أحدهم يقول: أخذوا علمهم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت. فيقال له: أما ما نقله الثقات عن المعصوم فهو حق ولولا النقل المعصوم لكنت أنت وأمثالك إما من المشركين وإما من اليهود والنصارى، وأما ما ورد عليك فمن أين لك أنه وحي من الله؟ ومن أين لك أنه ليس من وحى الشيطان؟ و الوحي وحيان: وحي من الرحمن، و وحي من الشيطان، قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ (الأنعام: من الآية121)، وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ (الأنعام: من الآية112)، و قال تعالى: ﴿هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾ (الشعراء:221). وقد كان المختار بن أبى عبيد من هذا الضرب حتى قيل لابن عمر وابن عباس قيل لأحدهما: إنه يقول أنه يوحى إليه! فقال: وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم. وقيل للآخر: أنه يقول أنه ينزل عليه! فقال: هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، فهؤلاء يحتاجون إلى الفرقان الإيماني القرآني النبوي الشرعي أعظم من حاجة غيرهم ([1]).
    والمقصود أن استعمال الألفاظ الموهمة هو من صنف الحجج العقلية التي تظن برهاناً ودليلاً قطعياً، وهي في حقيقتها شبهات فاسدة مركبة من ألفاظ مجملة، ومعاني متشابهة، لم يميز حقها من باطلها، فإذا وقع الاستفسار والتفصيل تبين الحق من الباطل، فأقول:
    من العبارات الموهمة:
    قول بعضهم : "الإيمان في القلب مثل السكر في فنجان الشاي نحتاج إلى تحريكه ليتحلى جميع الفنجان".
    هذه العبارة يوردها بعض من يُسمى بـ (الأحباب)، للتدليل على أهمية الخروج معهم، والقيام بمثل ما يقومون به. والحقيقة إن هذه العبارة باطلة من وجوه، أذكر منها:
    1) الإيمان إذا وجد في القلب لا بد أن يظهر أثره وموجبه بالممكن من العمل على جوارح ابن آدم، وهذا التلازم بين الظاهر والباطن دلّ عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "... أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
    فإذا وجد الإيمان في القلب انفعلت الجوارح الظاهرة بمقتضاه و لا بد مع القدرة وعدم المانع، فدعوى وجود إيمان في القلب كالسكر في الفنجان و لا يظهر أثره وموجبه في الظاهر تتنافى مع هذا التقرير.
    2) الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، فهو قول اللسان بالشهادة وسائر الأقوال التي تعبدنا بها شرعاً، وقول القلب بالمعرفة والتصديق، وعمل القلب بالمحبة لله ولرسوله والتسليم بالطاعة، والتعظيم لله عز وجل، وسائر عمل القلب من الخوف والرجاء والتوكل والخشية وغيرها، وعمل الجوارح بالطاعات وترك المعاصي، فالإيمان يقتضي العلم بأسماء الله وصفاته والعلم بأمره ونهيه، والعمل بمقتضى ذلك، فإذا وجد الإيمان بهذا المعنى فالقيام بالدعوة لصاحبه من أفضل الأعمال، أمّا من لم يحصل الإيمان على هذا الوصف فعليه أن يشتغل بتحصيل ذلك في نفسه قبل أن يذهب يدعو الناس إلى شيء ليس عنده، فإن فاقد الشيء لا يعطيه. ومن زعم أن الإيمان يوجد في القلب دون أن يوجد أثره في الظاهر ودون أن يحصل مقتضاه من العلم بأسماء الله وصفاته والعلم بأمره ونهيه، كيف يسوغ له أن يخرج للدعوة والتعليم؟
    3) ثم نقول ما نفع حركة السكر في الفنجان إذا كان السكر قليلاً؟ فمهما حركته فإنه لا يؤثر؛ فلا بد من السعي لتحقيق الإيمان عند أهل السنة والجماعة، ومقتضاه من العلم بأسماء الله وصفاته، والعلم بأمره ونهيه والعمل بذلك.
    وإذا كان السكر كثيراً فإن حركته تزيد من حلى الشاي فلا يستفاد منه، إذ لا يكون مستساغاً، فهنا حركته مضرة له ولغيره، وهذا خلاف حقيقي في هذه العبارة مع حقيقة الإيمان إذ الإيمان يزيد بالطاعات حتى يصير أمثال الجبال وينفع صاحبه و لا يضره، وينقص بالمعاصي حتى يكون مثل الهباء.

    ([1]) مجموع الفتاوى (13/68-70) باختصار وتصرف.
    يتبع إن شاء الله تعالى

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ومن هذه العبارات الموهمة:
    قول بعضهم: "الإناء إذا كان ملآناً فإنه لا يقبل الزيادة".
    يقول بعض الناس هذه العبارة عندما يريد أحد أن يناقشهم ويطالبهم بالأدلة على صدق دعواهم، فإنه يقول: لا فائدة من ذكر الأدلة لك، وبيان ما نعتقد؛ لأن قلبك ملآن كالإناء الملآن فإنه لا يقبل الزيادة. وبهذه العبارة يردون المناصحة و لا يقبلونها.
    وهي عبارة موهمة ذات معنى باطل؛ إذ يلزم منها أن دعوة الأنبياء لقومهم أهل الشرك والضلال لا فائدة منها، ويلزم منها تعطيل باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصواب أن يدعو المسلم من يراه على باطل يدعوه إلى الحق، ويبلغ ما لديه، امتثالاً لقوله تعالى: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( (النحل:125). ولقوله تعالى:)وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ( (الذاريات:55). ولقوله تعالى: )فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ. إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ. فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ((الغاشية:21-24).
    والقلب إذا أراد الله هدايته نفعه ما يسمعه من الزواجر والنواهي والترغيب والترهيب، وأحدث فيه هزة تزيل عن قلبه الرين ، وتكشف حجب الشهوات والشبهات، ويتسرب نور الإيمان والهداية إليه. ومن لم يرد الله هدايته لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من الهوى.
    عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ" أخرجه مسلم في صحيحه.
    أَسْوَدُ مُرْبَادًّا : شِدَّةُ الْبَيَاضِ فِي سَوَادٍ .
    الْكُوزُ مُجَخِّيًا : مَنْكُوسًا .
    ومن العبارات الموهمة :
    قول بعضهم: "الإيمان في القلب".
    يذكرونها إذا سمعوا أحداً ينصحهم أو أنكر عليهم أمراً يخالف الشرع.
    والإيمان في القلب حق، ولكن ما وجد في القلب لابد أن يظهر موجبه في الظاهر على الجوارح، فإيمان القلب يصدقه العمل، وقد جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَك "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" أخرجه مسلم. فهذا الحديث فيه أن الله لا ينظر فقط إلى القلوب بل إلى القلوب والأعمال، فكيف يكون الإيمان فقط في القلب؟!
    وصح عن الحسن أنه قال "ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل" ونحوه عن سفيان الثوري.
    وقد جعل النبـي صلى الله عليه وسلم العمل تصديقاً لما في القلب، في قوله: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ" متفق عليه.
    ومن هذه المقولات الموهمة :
    قول بعضهم: "مصلحة الدعوة تقتضي ذلك".
    يقولون ذلك في مقامات يبررون فيها مخالفتهم لشرع الله تعالى، والخروج عن سنته صلى الله عليه وسلم، فصارت هذه الكلمة طاغوتاً يبرر لهم المخالفات الشرعية!
    وهذه الكلمة إذا استعملت في محلها بحسب الشرع لا بأس، أمّا إذا استعملت تبريراً للخروج عن الشرع فإنها تؤول إلى القاعدة الميكافيلية: "الغاية تبرر الوسيلة". كيف يكون من مصلحة الدعوة مخالفتها؟ وهل يصح أن يقول مسلم: أنا أسرق لأتصدق؟! الجواب: لا يصح ذلك؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
    ويكرر بعض المشتغلين بالدعوة كلمة (مصلحة الدعوة)، وقد يتخذها بعضهم سُلّماً يتوصل به إلى تحقيق أهداف أو تصورات فردية له، أو أهداف لجماعة أو حزب ينتمي إليه، فيتوصل باسم الدعوة إلى ذلك!
    والحقيقة إن مصلحة الدعوة محكومة بالشرع، وإهدار الشرع في ذلك هو إهدار للدعوة، ووقوع في مستنقع النفعية، حيث تكون الغاية تبرر الوسيلة!
    ولذلك ضبط العلماء المصلحة المعتبرة شرعاً، بأنها المندرجة تحت مقاصد الشرع، ولا تعارض الكتاب والسنة، و القياس الصحيح، و لا تفوت مصلحة أهم منها!
    فهل يصح أن يقال: يجوز الكذب والغيبة والنميمة لمصلحة الدعوة؟!
    هل يجوز أن تؤكل أموال الناس بالباطل بدعوى مصلحة الدعوة؟!
    هل يصح أن تزيف الحقائق ويكتم الحق بدعوى مصلحة الدعوة؟!
    سبحان الله!!
    كيف يستقيم الظل والعود أعوج؟!
    فليس من ديننا (الغاية تبرر الوسيلة)؛ بل هذه عبارة جرت عند الغربيين العلمانيين الذين لا يضبطون أنفسهم بدين، ونحن (أعني : المسلمين) ديننا وشرعنا وعقيدتنا تضبطنا، فلا يجوز لنا من الوسائل إلا ما هو جائز شرعاً، قال الله تبارك وتعالى:)قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ( (يوسف:10.
    ومصلحة الدعوة هي في تطبيق الشرع، والمصالح المرسلة يراعى فيها تطبيق قاعدة قيام المقتضي في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عدمه، فإن قام المقتضي لفعلها زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها صلى الله عليه وسلم مع عدم المانع، فتركها سنة، وإن قام مانع من فعلها مع قيام المقتضي لفعلها فإن زوال المانع يبيح فعلها. فإن لم يقم المقتضي لفعلها أصلاً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه هي المصالح المرسلة، والنظر فيها للعلماء يوازنون بين المصالح والمفاسد، يراعون مقاصد الشرع وأحكامه، وليست لكل أحد!
    ومراعاة المصلحة من الدين، بل إن مقاصد الشرع تدور على جلب المصالح ودفع المفاسد، ولكن إذا لم يكن الداعية مقيداً نفسه بشرع الله، فإن ضابط المصلحة عنده يصيبه من الخلل ما الله به عليم، فيعود لا يرى مصلحة إلا في حدود ذاته وتحقيق الرياسة لها، أو مصلحة جماعته أو تنظيمه الذي ينتمي إليه، وصار ولاؤه لغير الله ورسوله من حيث لا يشعر!
    أمّا أن يأتي الشخص لأمر فيه تحقيق مصلحة لنفسه أو لجماعته أو لمن يحب، فيقول: هذا من مصلحة الدعوة، فلا!
    ومثل هؤلاء الناس إذا أوذي في دعوته أو نسب إلى الخطأ يطلب الانتصار لنفسه، ويغذى الشيطان غضبه، ويحرك غروره، فصار يجعل نفسه هو مقياس الدعوة، ويظن أنه إذا تراجع عن الباطل والخطأ تأثرت الدعوة، واهتزت صورتها في أنفس الناس، فيريه أن من مصلحة الدعوة عدم الرجوع والتسليم للحق؟
    قال ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية (5/254ـ257 باختصار وتصرف يسير): "إن الإنسان عليه أولا أن يكون أمره لله، وقصده طاعة الله فيما أمره به. وهو يحب صلاح المأمور، أو إقامة الحجة عليه، فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته وتنقيص غيره كان ذلك حمية لا يقبله الله!
    وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطا.
    ثم إذا رُدَّ عليه ذلك (يعني: ما فعله لطلب رياسة نفسه أو طائفته) وأُوذِي أو نسب إلى أنه مخطىء وغرضه فاسد؛ طلبت نفسه الانتصار لنفسه وأتاه الشيطان فكان مبدأ عمله لله ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه وربما اعتدى على ذلك المؤذي!
    وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة، إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه، وأنه على السنة؛ فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله، بل يغضبون على من خالفهم؛ وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه. ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلا سيء القصد، ليس له علم ولا حسن قصد!
    فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله! ...
    ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس، قال الله تعالى: )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله( (سورة الأنفال:39). فإذا لم يكن الدين كله لله كانت فتنة.
    وأصل الدين أن يكون الحب لله والبغض لله والموالاة لله والمعاداة لله والعبادة لله والاستعانة بالله والخوف من الله والرجاء لله والإعطاء لله والمنع لله وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله الذي أمره أمر الله ونهيه نهي الله ومعاداته معاداة الله وطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله.
    وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك، ولا يطلبه ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين، أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة وهو الحق وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ليعظم هو ويثنى عليه أو فعل ذلك شجاعة وطبعا أو لغرض من الدنيا؛ لم يكن لله ولم يكن مجاهدا في سبيل الله!
    فكيف إذا كان الذي يدّعي الحق والسنة هو كنظيره معه حق وباطل وسنة وبدعة ومع خصمه حق وباطل وسنة وبدعة؟!
    وهذا حال المختلفين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا وكفر بعضهم بعضا وفسق بعضهم بعضا ولهذا قال تعالى فيهم:)وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة( (سورة البينة: 4-5 )، وقال تعالى:)كان الناس أمة واحدة( (سورة البقرة: 213) ... وقد قال في سورة يونس (آية19): )وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا(، فذمهم على الاختلاف بعد أن كانوا على دين واحد فعلم أنه كان حقا"اهـ


    تعليق


    • #3
      من العبارات الموهمة :
      قول بعضهم: "يعاون بعضنا بعضاً فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه".
      أقول: هذه العبارة بهذا الإطلاق فيها نظر من جهتين:
      1) أن من مسائل الاختلاف ما ظهر فيها دليل يلزم المصير إليه، و لا يجوز أن يستمر الخلاف فيها، فهنا لا يصح أن نقول: "ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه"، بل الواجب أن يقال: يعلم بعضنا بعضاً الحق فيما اختلفنا فيه.
      2) أن من مسائل الاختلاف ما تتجاذبه الأدلة، فهنا لا تعنيف على المخالف، ولكن لا يقال: "يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا عليه"، إنما يقال: "ينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه" وذلك للوصول إلى معرفة الراجح من أوجه الخلاف، مهما أمكن.
      ومن هذه العبارات الموهمة:
      قول بعضهم: "طعام الكبار سم الصغار".
      هذه العبارة يقولها بعض الناس ليمنع طلبة العلم الصغار والمبتدئين من الجلوس في حلق العلماء، وترك الأخذ عن الشيوخ، ويلزمهم بالجلوس في حلق يقيمها بعض من شدى في طلب العلم ولـمّا يتأهل بعد!
      وهذا منحى خطير يسلكه هؤلاء، وهو أمر باطل، فلم نسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع الصحابة الصغار من أن يجلسوا معه في مجالسه، ولم نسمع أن الصحابة منعوا صغار التابعين من الجلوس في حلق العلم، والأخذ عن المشايخ من الصحابة! وكذا من بعدهم ممن تبعهم بإحسان.
      وهذه العبارة باطلة في نفسها: فإننا إنما نطلب من الشاب المميز أن يطلب العلم على أيدي المشايخ، و لا نطلب ذلك من الصغير غير المميز، وطعام الكبار إنما يكون مرضاً للصغار الذين في السنتين ونحوها، أمّا على الصغير المميز في السابعة وما فوقها لا يكون سماً و لا مرضاً، ومعلوم أن الشباب الذين يرغبون في طلب العلم على المشايخ هم فوق ذلك بكثير، فكيف يقال في حقهم ذلك؟!
      ثم انظر إلى حال الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة الشباب، أمثال ابن عباس وابن عمر وابن عمرو وابن الزير ونحوهم لم نسمع أن الرسول صلى الله عليه وسلم منعهم من الجلوس معه والسماع لحديثه، والتعلم منه بل الواقع خلافه، فمن ذلك ما جاء عن ابْنَ عُمَر يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ فَقَالَ الْقَوْمُ: هِيَ شَجَرَةُ كَذَا هِيَ شَجَرَةُ كَذَا فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ هِيَ النَّخْلَةُ فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ فَقَالَ لَوْ كُنْتَ قُلْتَهَا لَكَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ كَذَا وَكَذَا" متفق عليه.
      فانظر ابن عمر يحدِّث عن نفسه أنه وهو غلام شاب جلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم،ولم يمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجلوس؟
      ومن العبارات الموهمة :
      قولهم: "لا إنكار في مسائل الخلاف".
      وهذه عبارة يتوهم بعضهم أن المراد بها: أي مسألة فيها خلاف لا يجوز الإنكار فيها! وعليه فلا يجوز إنكار المنكر إلا إذا كان مجمعاً عليه!
      وهذا الفهم خطأ، ويلزم عليه أن يغلق باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن أكثر مسائل الشرع فيها خلاف بين العلماء؟ والصحيح أن مراد أهل العلم بهذه العبارة: "لا إنكار في مسائل الخلاف" : أن المسائل التي لم يظهر فيها دليل يجب المصير إليه فلا يشدد في الإنكار و لا يعنف في الإنكار فيها، وذلك مبني على أساس أن المسائل الخلافية على نوعين:
      النوع الأول : مسائل خلافية، ظهر فيها دليل يلزم المصير إليه، فهنا لابد من الأخذ بالدليل، وطرح القول المخالف له، ومن اتبع القول الذي قام الدليل على خلافه فإنه ينكر عليه.
      النوع الثاني : مسائل خلافية لم يظهر فيها دليل يلزم المصير إليه، فهي مسألة تتجاذبها الأدلة، وتتنازعها الأنظار، فهذه مسألة اجتهادية، لا إنكار و لا تعنيف فيها على المخالف، إنما يناصح في معرفة القول الراجح.
      وهذا النوع الثاني هو المقصود في هذه العبارة التي يفهمها بعض الناس على إطلاقها.
      ومن هذه العبارات الموهمة :
      قول بعضهم: "البضاعة المباعة لا ترد و لا تستبدل".
      كذا يعلق بعض أصحاب المحلات هذه العبارة في المحل، والحقيقة أن إطلاقها غير مراد، فهي عبارة توهم أن للبائع إسقاط حق المشتري مطلقاً في الرد واسترداد الثمن أو الاستبدال أو أخذ فرق السعر، وذلك أن من حق المشتري إذا وجد في البضاعة عيباً أن يردها ويسترد ثمنها، أو إن شاء يأخذ فرق السعر الذي نتج عن وجود العيب في البضاعة، أو أن يستبدلها بغيرها، وليس للبائع أن يلغي هذا الحق الذي للمشتري، إلا إذا تم البيع على أساس أن هذه البضائع تباع كما هي، ويكشف ما فيها من العيب للمشتري، والله اعلم.
      ومن العبارات الموهمة :
      قول بعضهم: "أنا غير ملزم بتقليد هذا الشيخ أو ذاك".
      هذه العبارة يطلقها بعض الناس زاعماً أن هذا منهج السلف، والحقيقة أن إطلاق هذه العبارة فيه نظر من جهات:
      أولاً : محل هذه العبارة حينما يظهر في مسألة دليل يلزم المصير إليه، فهنا لا عبرة بأحد كائناً من كان إذا خالف كلامه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الثابت عنه، إذ كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا الرسول صلى الله عليه وسلم.
      ثانياً : استعمال هذه العبارة في المسائل الاجتهادية من طالب العلم، ليرد بها كلام العلماء الذين هم أكبر منه وأسن منه وأعلم وأتقى منه خلاف سنة السلف الصالح رضوان الله عليهم، حيث كان الواحد منهم في مثل هذه المسائل يترك قوله لقول من هو أعلم منه، و ما كان يقول: أنا لست ملزماً بقول الشيخ.
      ثالثاً : المسلم الأصل فيه أن يتهم نفسه؛ خاصة إذا كان في محل يخالف فيه ما قرره من هو أعلم منه، فإن عليه أن لا يستبد بالرأي. كيف إذا كان المقام أصلاً مقام خبر يلزمه اتباعه ولا يسوغ له مخالفته؟ بل حتى في مسائل الاجتهاد فإن من سنة الصحابة رضوان الله عليهم أن أحدهم كان يترك قوله لقول من هو أعلم منه.
      رابعاً : إجلال العلماء سنة. وهذه العبارة تخالف إجلال العلماء، نعم إذا ظهر في المسألة دليل يلزم المصير إليه، والأخذ به، فإنه لا عبرة بقول أحد مع الدليل كائنا من كان، إذ كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحال هنا أن بعض الناس يقول هذه العبارة في مقام لم يظهر فيه الدليل على خلاف العالم، أليس الحق هنا أن يرى للعلماء فضلهم وأنهم أهدى وأعلم وأورع وأتقى، ويتهم نفسه أمام قولهم ويحذر من خلافهم؟! اللهم غفراً.
      خامساً : التقليد ليس بمحرم على الإطلاق، فإن العامي ومن في حكمه ـ من المتبع إذا لم يتيسر له معرفة الدليل والمجتهد إذا لم يتيسر له الاجتهاد والنظر في الدليل ـ عليه أن يقلد، وهذا هو الواجب في حقه. وقد جاء عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في المسألة التي لا يعرف دليلها أنه كان يأخذ فيها بقول الشافعي رحمه الله. والعبارة بإطلاقها قد توهم أن المسلم ليس له أن يقلد، وهذا خلاف ما قرره أهل العلم في ذلك.
      سادساً : هناك فرق بين الإتباع والتقليد، فالإتباع أخذ بقول ظهر لك دليله، والتقليد أخذ بقول وتقلده كالقلادة في العنق تنقاد له بدون دليل. والذي يُمنع لمن تأهل وقدر على الأخذ بالدليل هو التقليد، أمّا الإتباع وهو أخذ قول العالم بدليله الذي ظهر لك لا يمنع منه، بل هذا اللازم لمن قدر عليه ولم يقدر على ما هو أكثر منه.
      سابعاً : ينبغي التفريق بين مقام الأخذ باجتهاد المجتهد في مسألة اجتهادية، وبين إتباع العالم فيما أخبر به، فإن اتباعه والحال هذه من باب قبول خبر الثقة، وهو واجب، إلا أن يظهر خطؤه، فلا يقال في هذا المقام: "لست ملزما بقول هذا العالم" أو "لا أقبل كلامه في فلان حتى أقف عليه بنفسي"، هذا كله استعمال لهذه العبارة في غير محلها. فالرجل المعروف لديك إذا جاء جرحه المفسر من عالم ثقة الأصل أن تتبع كلام هذا العالم و لا تقول: أنا أعرفه فلا آخذ بهذا الجرح المفسر حتى أقف عليه بنفسي. هذا لا يقال وهو خروج عن طريق السلف في ذلك. نعم الجرح المجمل في حق من ثبتت عدالته لا يقبل. والجرح مقدم على التعديل إلا أن يذكر المعدل سبب الجرح ويرده.

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        ومن العبارات الموهمة :
        قول بعضهم: "فلان سلفي عقيدة لا منهجاً".
        كذا يقولون، وهذه العبارة فيها نظر كبير، إذ الحقيقة أن المنهج إنما يكون تبعاً للعقيدة، فمن كانت عقيدته على شيء فإن منهجه ومسلكه إنما ينبعث منها و لا بد. فمن اعتقد مثلاً أن البدعة حدث في الدين، وأن أصحاب البدع خطر يهدد المسلمين في دينهم، كيف يعاملهم؟ لا بد أن يعاملهم من هذا المنطلق، هل يعقل أن يسلك منهجاً في التعامل معهم خلاف ما يمليه عليه اعتقاده؟ وعليه فإن هذه العبارة لا تتفق مع الواقع.
        وهذه العبارة توهم أن العقيدة أبواب معينة، كما يظن بعض الناس أن العقيدة هي فقط مسائل الأسماء والأحكام، ومسائل الأسماء والصفات، فمن وافق السلف فيها وخالفهم في غيرها فقد صحت عقيدته فهو سلفي العقيدة لا المنهج!
        وهذا خطأ في التصديق بالعقيدة، يحتاج إلى أن يتعلم ويفهم حقيقة العقيدة الإسلامية وأبوابها، والله المستعان.
        ومن العبارات الموهمة :
        قولهم: "يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال".
        يتوهم بعض الناس أن مراد العلماء الذين أطلقوا مثل هذه العبارة: أن الحديث الضعيف يثبت به شيء في الدِّين، وهذا ليس مراداً للعلماء! فإن مرادهم يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال التي ثبتت مشروعيتها في الشرع كذكر الله والصلاة والصيام، بمعنى أن النفس ترجو ما فيها، فلا يريدون رحمهم الله إثبات حكم شرعي بها، لأن الحكم الشرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي والضعيف بمفرده ليس بدليل شرعي.
        قال ابن تيمية رحمه الله (في مجموع الفتاوى 18/65-6: "قول أحمد بن حنبل: "إذا جاء الحلال والحرام شددنا في الأسانيد وإذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد". وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به، فإن الاستحباب حكم شرعي، فلا يثبت إلا بدليل شرعي. ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعي، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم؛ ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع. وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع كتلاوة القرآن والتسبيح والدعاء والصدقة والعتق والإحسان إلى الناس وكراهة الكذب والخيانة ونحو ذلك، فإذا روى حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها، وكراهة بعض الأعمال وعقابها، فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روى فيها حديث، لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب، كرجل يعلم أن التجارة تربح لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا، فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لم يضره.
        ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب والترجية والتخويف، فما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع فإن ذلك ينفع ولا يضر وسواء كان في نفس الأمر حقا أو باطلا، فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه، فإن الكذب لا يفيد شيئا وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ولعدم المضرة في كذبه.
        وأحمد إنما قال: إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد ومعناه: أنا نروى في ذلك بالأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم، وكذلك قول من قال: يعمل بها في فضائل الأعمال إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة، مثل التلاوة والذكر والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة، ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو: "بلغوا عنى ولو آية وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"، مع قوله في الحديث الصحيح: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم"، فإنه رخص في الحديث عنهم، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به، ولو جاز تصديقهم بمجرد الأخبار لما نهى عن تصديقهم فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع، فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديرا وتحديدا، مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة لم يجز ذلك، لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو روى فيه من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله كان له كذا وكذا، فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين كما جاء في الحديث المعروف: "ذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس"؛ فأما تقدير الثواب المروى فيه فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته، وفى مثله جاء الحديث رواه الترمذي: "من بلغه عن الله شيء فيه فضل فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك وإن لم يكن ذلك كذلك"، فالحاصل أن هذا الباب يروى ويعمل به في الترغيب والترهيب لا في الاستحباب.
        ثم اعتقاد موجبه وهو مقادير الثواب والعقاب يتوقف على الدليل الشرعي"اهـ

        من العبارات الموهمة :
        قول بعضهم: "الله ورسوله أعلم".
        هذه الكلمة إنما تقال في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، أمّا بعد وفاته فلا يقال إلا الله اعلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم إلا ما علمه الله تعالى إياه، وقد يتوهم من يستعمل هذه العبارة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أن علم الرسول صلى الله عليه وسلم كعلم الله تعالى، وهذا غير صحيح فإن الرسول لا يعلم إلا ما علمه الله سبحانه والله عز وجل يقول: ")قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( (الأعراف:18.
        قال الشيخ محمد حامد الفقي في تعليقة له على باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء من فتح المجيد، على قول الصحابة في الحديث: "الله ورسوله أعلم": "وردهم هذا إنما كان يصح حينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم في حياته الدنيا حاضر المجلس، فإن الواجب رد العلم إلى الله ثم إليه، وأمّا بعد أن مات وفارق هذه الدنيا، فلا ينبغي رد العلم إلا إلى الله وحده، فمن الخطأ استعمال الناس هذه الجملة الآن وقولهم: "الله ورسوله أعلم"اهـ وأقره على هذا التعليق الشيخ ابن باز رحمه الله.
        قلت: وهذا من غلق كل ما يؤدي إلى خلل في التوحيد، وباب سد الذرائع معروف عند أهل العلم، والله الموفق.
        ومن العبارات الموهمة :
        قول بعضهم: "أمطرنا لوقوعنا تحت منخفض جوي".
        هذه العبارة تجري على ألسن بعض الناس، وهي من تعليق التأثير على النوء بينما الصحيح أن الله عز وجل هو الفاعل على الحقيقة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يقول المسلم مثل هذه العبارة.
        أخرج البخاري ومسلم: عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إِثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ".
        قال محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله، عن "النوء"، في كتابه القول المفيد، في باب ما جاء في التطير: "النوء: واحد الأنواء، والأنواء: هي منازل القمر، وهي ثمان وعشرون منزلة، كل منزلة لها نجم تدور بمدار السنة.
        وهذه النجوم بعضها يسمى النجوم الشمالية، وهي لأيام الصيف، وبعضها يسمى النجوم الجنوبية، وهي لأيام الشتاء، وأجرى الله العادة أن المطر في وسط الجزيرة العربية يكون أيام الشتاء، أما أيام الصيف، فلا مطر. فالعرب كانوا يتشاءمون بالأنواء، ويتفاءلون بها، فبعض النجوم يقولون: هذا نجم نحس لا خير فيه، وبعضها بالعكس يتفاءلون به فيقولون: هذا نجم سعود وخير، ولهذا إذا أمطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا، ولا يقولون: مطرنا بفضل الله ورحمته؛ ولا شك أن هذا غاية الجهل. ألسنا أدركنا هذا النوء بعينه في سنة يكون فيه مطر وفي سنة أخرى لا يكون فيه مطر؟ ونجد السنوات تمر بدون مطر مع وجود النجوم الموسمية التي كانت كثيراً ما يكون في زمنها الأمطار. فالنوء لا تأثير له، فقولنا: طلع هذا النجم، كقولنا: طلعت الشمس، فليس له إلا طلوع وغروب، والنوء وقت تقدير، وهو يدل على دخول الفصول فقط.
        وفي عصرنا الحاضر يعلق المطر بالضغط الجوي والمنخفض الجوي، وهذا وإن كان قد يكون سبباً حقيقياً، ولكن لا يفتح هذا الباب للناس، بل الواجب أن يقال: هذا من رحمة الله، هذا من فضله ونعمه، قال تعالى: )أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ( (النور:43)، وقال تعالى: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( (الروم:46).
        فتعليق المطر بالمنخفضات الجوية من الأمور الجاهلية التي تصرف الإنسان عن تعلقه بربه، فذهبت أنواء الجاهلية، وجاءت المنخفضات الجوية، وما أشبه ذلك من الأقوال التي تصرف الإنسان عن ربه سبحانه وتعالى.
        نعم، المنخفضات الجوية قد تكون سبباً لنزول المطر، لكن ليست هي المؤثر بنفسها، فتنبه"اهـ.
        ومن هذه العبارات الموهمة :
        قول بعضهم: "اللي ما يخاف من الله خاف منه".
        كذا تجري هذه الكلمة على ألسنة بعض العوام، وهذا خطأ، بل الذي يخاف من الله خاف منه، والذي لا يخاف الله لا تخف منه، ويشرح هذا ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (1/57-5، في كلام له في تفسير قوله تبارك وتعالى: )إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ( (آل عمران:175)، حيث يقول رحمه الله: "دلت الآية على: أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين ويجعل ناسا خائفين منهم.
        ودلت الآية على : أن المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان ولا يخاف الناس، كما قال: )فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ((المائدة: من الآية44)؛
        فخوف الله أمر به.
        وخوف أولياء الشيطان نهى عنه.
        قال تعالى: )لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( (البقرة:150)، فنهى عن خشية الظالم وأمر بخشيته. وقال: )الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ( (الأحزاب:39). وقال: )فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ( (النحل:51).
        وبعض الناس يقول: يارب إني أخافك وأخاف من لا يخافك؛ فهذا كلام ساقط لا يجوز، بل على العبد أن يخاف الله وحده ولا يخاف أحدا، فإن من لا يخاف الله أذل من أن يُخاف، فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان، فالخوف منه قد نهى الله عنه. وإذا قيل: قد يؤذيني! قيل: إنما يؤذيك بتسليط الله له، وإذا أراد الله دفع شره عنك دفعه، فالأمر لله. وإنما يسلط على العبد بذنوبه، وأنت إذا خفت الله فاتقيته وتوكلت عليه كفاك شر كل [ذي] شر، ولم يسلطه عليك، فإنه قال: )وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهًُ( (الطلاق:3)، وتسليطه يكون بسبب ذنوبك وخوفك منه فإذا خفت الله وتبت من ذنوبك واستغفرته لم يسلط عليك، كما قال: )وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ( (لأنفال: من الآية33)"اهـ
        ومن هذه العبارات الموهمة:
        قول بعضهم: "القرآن العظيم له تفسير في كل زمان بما يناسبه".
        إطلاق هذه الكلمة لا يجوز، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعلم الخلق بكلام الله ومعانيه، وما مات إلا وقد فسر القرآن جميعه، وأخذ عنه هذا التفسير صحابته رضوان الله عليهم، وعنهم التابعون، فمن فسر القرآن بتفسير يخرج عن تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، خرج عن الصراط المستقيم في تفسير القرآن العظيم، وشاق الله ورسوله، )وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً( (النساء:115).
        وإذا كان مراد هذا القائل أن القرآن العظيم تظهر لآياته في كل زمان معان يتوسع بها معنى الآية و لا يخرج فيها عن ما قرره الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، فإن هذا المعنى للعبارة سائغ، إلا أنه يشترط في قبول هذه المعاني التي يتوسع بها معاني الآيات ما اشترطه أهل العلم في قبول التفسير بالرأي، وهي الشروط التالية:
        الأول : أن لا يخالف التفسير بالمأثور مخالفة تضاد.
        الثاني : أن يوافق سياق الآية وسباقها ولحاقها.
        الثالث : أن لا يخرج عن دلالة اللفظ من جهة اللغة.
        الرابع: أن لا يخالف أصول الشريعة.
        الخامس : أن لا يكون فيه نصرة لأقوال أهل البدع والضلال.
        ومن هذه الشروط تعلم أن التفسير العلمي لبعض الآيات يشترط في قبوله هذه الشروط حتى يقبل، مع ملاحظة أن القرآن العظيم كتاب هداية وإعجاز، وليس كتاب علوم تطبيقية أو طبيعية، فلا ينبغي أن يجعل المسلم همه أن يجد لكل حقيقة علمية أصلاً في القرآن العظيم ، فإن القرآن العظيم لم ينزل لهذا، ولكن في سياق معانيه وموضوعاته أي إشارة تأتي فيه لأمر من أمور الكون لا تأتي إلا على ما هو حقيقة علمية عند أهلها.



        تعليق


        • #5
          بسم الله الرحمن الرحيم

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          ومن العبارات الموهمة :
          قولهم: "الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال".
          وهذه العبارة فهمها بعض الناس على أن أي احتمال يتطرق إلى الدليل يمنع الاستدلال به، وبالتالي حكم أن هذه القاعدة باطلة، إذ لا يسلم دليل من البطلان!
          والصحيح أن هذه القاعدة صحيحة ومراد العلماء بالاحتمال الذي يمنع الاستدلال هو الاحتمال المساوي أو الأرجح، فلو أن شخصاً استدل بدليل لدلالته على معنى، فإن مما يمنع الاستدلال بهذه الدليل أن يكون هناك معنى آخر يدل عليه الدليل مساوي للمعنى الأول، وليس أحدهما بأولى من الآخر.
          ومما يساعد على فهم العبارة على فهمها الصحيح أن تعلم أن الظاهر عندهم هو كل لفظ احتمل أمرين ودلالته على أحدهما أظهر.
          ومن العبارات الموهمة :
          قولهم: "المكروه ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، والمستحب ما يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه".
          هذه العبارة يفهمها بعض الناس على الإطلاق، فيسوي بين من داوم على ترك السنن، وبين من تركها أحياناً، على أساس أنها مما يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه.
          والصحيح : أن العلماء رحمهم الله إنما أرادوا في ذكرهم أن المستحب ما يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه، و المكروه ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه، إنما أرادوا بيان حكم أصل الفعل للمستحب أو المكروه، لا بيان حكمه في حق المداوم على ترك المستحب أو فعل المكروه، ويؤكد لك هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "من رغب عن سنتي فليس مني" وهذا يشمل ما كان من سنته صلى الله عليه وسلم فعله على سبيل الواجب وما كان من سنته فعله على سبيل المستحب وما كان تركه من سنته على سبيل المحرم وما كان تركه من سنته على سبيل ترك المكروه، ومن هذا ما جاء عن أحمد بن حنبل رحمه الله أن من داوم على ترك صلاة الوتر لا تقبل شهادته، مع أن صلاة الوتر عنده مستحبة وليست بواجبة.
          ولعل مما يُشعر بهذا ما أخرجه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا"، ومرادها رضي الله عنها في الأمور المباحة، لأن المستحب لا تخيير في فعله، بل مرغب في فعله، والمكروه لا تخيير في تركه بل مرغب في تركه. وقولها: "ما لم يكن إثماً" يدل على أن ترك المستحب إثم؛ وتوضيح ذلك أن يقال: المستحب مخير بين فعله وتركه، فهل يختار على ضوء الحديث فعله أو تركه؟ الجواب : يختار فعله، لماذا لأن في تركه إثماً، وهو المطلوب. فيكون ترك المستحب إثما، لكن أصل المستحب ليس كالواجب من جهة طلب المداومة عليه فعلاً، فيكون محل الإثم في ترك المستحب عند المداومة على تركه خلافا للواجب، والمكروه كذلك بالعكس، وعليه فإن قولهم في المستحب: "يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه"، هذا في بيان حكم مطلق تركه أو فعله لا على سبيل المداومة.
          ومن العبارات الموهمة :
          قولهم: "تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان".
          يفهم بعض الناس هذه القاعدة التي يطلقها العلماء على إطلاقها، فإذا جاءه نص من آية أو حديث، لم يعمل به بدعوى أنه إنما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، والفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، ففهم القاعدة على أن المراد منها أن الدين ونصوصه تتغير معانيها بحسب الزمان والمكان، فصار بعضهم يدعو إلى ما يسميه بالإسلام العصري.
          وهذا باطل من الفهم، غير مراد للعلماء من هذه العبارة، إنما مراد العلماء بقولهم: "تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان"،: أن الفتوى وهي حكم المفتي في واقعة ما يتغير بحسب تغير الواقعة التي ترتب الحكم على حيثياتها، فهو تغير في الحكم لتغير الحيثيات، وهذا يكون في الفتوى التي مرجعها إلى العادات، أو إلى مراعاة المصالح، أو لاجتهاد رآه المجتهد.
          ومن العبارات الموهمة :
          قولهم: "الناس مؤتمنون على أنسابهم".
          فإن بعض الناس يفهم هذه العبارة على أن المراد منها : أن من جاءنا يدعي نسبه أن يقبل قوله، لأنه مؤتمن على نسبه.
          والصحيح أن مراد العلماء الذين استعملوا هذه العبارة، أن الناس مؤتمنون على أنسابهم فلا يدخلون فيها ما ليس منها، لا أن كل من جاءنا بنسب نقبله و لا ننظر فيه، وإلا فإن العلماء طعنوا في النسب الذي أبرزه العبيديون، ورأوا أنه نسب ملفق لم يقبلوه، وكذا طعنوا في أنساب أقوام ادعوا أنهم من آل البيت، وهكذا.

          من العبارات الموهمة :
          قولهم: "كل مجتهد مصيب".
          هذه العبارة يطلقها بعض الناس، ويريد بها أن المسألة المختلف فيها، اجتهاد المجتهد فيها صواب، والأخذ بأي القولين سائغ إذ كل واحد منهما هو عين الصواب.
          وهذا المعنى باطل، إذ الحق واحد لا يتعدد لما جاء عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ" متفق عليه. فليس كل مجتهد مصيب، بل منهم من يجتهد فيصيب الحق، ومن من يجتهد فلا يصيب الحق، إذ الحق واحد لا يتعدد.
          و لا يخلو من اجتهد فأصاب أو أخطأ من الأجر، لكن من أصاب الحق أكثر أجرا من الآخر.
          وقد حمل بعض الناس هذه العبارة على هذا المعنى، فقال: كل مجتهد مصيب من الأجر، وهذا معنى سائغ، ولكن العبارة موهمة فيه أيضاً.
          ومن العبارات الموهمة :
          قولهم : "علقها في عالم ونام سالم".
          هكذا يطلق الناس هذه العبارة وقد ظنها بعضهم حديثاً وذكرها بلفظ: "من قلد عالماً لقي الله سالماً" و لا أصل له، وهذه العبارة موهمة، للوجوه التالية:
          أولاً : التقليد هو عمل العامي الذي لا يحسن النظر في الدليل و لا معرفته، فهذا عليه إذا نزلت به نازلة أن يسأل عنها قال الله تبارك وتعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( (النحل:43). وقال تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( (الأنبياء:7).
          ثانياً : وظيفة العامي حال السؤال أن يحرص على الأمور التالية:
          1) أن يسأل أهل الذكر، ممن يوصف بأنه من أهل الذكر، لما معهم من الذكر، لا على أساس التقليد المذهبي، فلا يلزم نفسه بمذهب معين، بل يسأل من يثق في علمه ودينه، ولذا قال أهل العلم: "مذهب العامي مذهب مفتيه".
          2) أن يكون حال سؤاله يطلب علم ما لا يعلم، فلا يسأل سؤال متعنت، أو سؤال من يبحث عن ما يرضي شهوته وهواه، فإن من ذهب يسأل العلماء ولديه علم بحكم المسألة من سؤال عالم سابق، وإنما يبحث عن ما يرضي هواه، فهذا لم يسأل وهو لا يعلم، وإنما يسأل طلباً لما يهواه ويشتهيه، والله عز وجل يقول: )فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(.
          3) إذا وجد عالمان يوصفان بأنهما من أهل الذكر فالواجب عليه أن يسأل أرجحهما عنده من جهة التقوى والعلم والورع.
          ثالثاً : إذا بذل العامي ذلك وأدى الوظيفة التي عليه فإن الواجب عليه أن يأخذ بقول مفتيه، فإذا فعل ذلك على هذا الوصف برأت ذمته، وسلم من اللوم والتثريب، ولقي الله سالماً.
          وإن لم يؤد هذه الوظيفة وقلّد عالماً مع قدرته على النظر أو معرفة الدليل أو مع علمه بحكم المسألة، أو بدون ما يوجب ترك قول هذا العالم من وجود ما هو أرجح منه، فهذا يخشى عليه، بله أن يسلم.

          تعليق


          • #6
            بسم الله الرحمن الرحيم

            السلام عليكم ورحمة وبركاته

            ومن العبارات الموهمة :
            قول بعض العلماء : "نسيان القرآن كبيرة".
            وهذه العبارة جرت عند بعض العلماء بناء على أحاديث ضعيفة جاءت فيمن حفظ شيئاً من القرآن العظيم وأنسيه، فصار العوام ـ إلا من رحم ربي ـ يمتنعون عن حفظ القرآن العظيم خشية أن ينسوه بعد حفظهم فيقعون في وعيد هذه الكبيرة!
            والحق أن من حفظ القرآن الكريم قد أنعم الله عليه بنعمة كبيرة عليه أن يتعاهده و يتحفظه فإنه اشد تفلتاً من البعير في عقالها، فإن نسيه لا يكون واقعاً في وعيد الكبيرة المذكورة هنا، للأمور التالية:
            أولاً : لأنه لم يصح في ذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و لا عن السلف الصالح.
            ثانياً : لأنه وردت أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر فيها شدة تفلت القرآن من ذلك ما أخرجه الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا". وذكر فيها أن العبارة عن ذلك بأنه أنسي لا نسي، وهو ما جاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بِئْسَ مَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ بَلْ نُسِّيَ وَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ النَّعَمِ" متفق عليه. و لم يذكر صلى الله عليه وسلم أن نسيانه كبيرة وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
            ثالثاً : أن الآية التي جاء فيها نسيان القرآن المراد فيه ترك العمل بما فيه من الأحكام والتشريعات، وليس المراد من حفظ القرآن أو شيئاً منه ونسيه. وذلك قوله تعالى: )وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى( (طـه:124-126). ومن ترك العمل بشيء مما ورد في القرآن الكريم فقد أعرض عنه وتركه، وهذا تارة يكون تركاً كفرياً مخرجاً من الملة، وتارة يكون تركاً من جنس الذنوب والمعاصي، فهو كفر دون كفر، على تفاصيل تجدها لدى العلماء في كتب العقيدة.
            ومن العبارات الموهمة :
            قول بعضهم: "الشيخ يؤثر عليه الشباب الذين حوله!"
            احذروا يا إخواني هذه الكلمة .. فإنها من كلام أهل البدع والجهل، وكنت قد سمعتها تقال في حق الشيخ ابن باز رحمه الله، وسمعتها تقال في حق الألباني رحمه الله، وسمعتها تقال في حق مشايخ آخرين، وهي كلمة باطلة، من وجوه منها :
            الأول : أن هذه الكلمة طعن في الشيخ أنه غير ضابط يقبل التلقين من تلامذته. والأصل أنه ثقة ضابط، فهذا خلاف الأصل، فإما أن يقام عليها دليل، وإلا حقها الرد وعدم القبول.
            الثاني : أن هذه الكلمة قد نهى الله عن قولها للنبي صلى الله عليه وسلم والعلماء ورثة الأنبياء. )وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ( (التوبة:61).
            قال الطبري في تفسيره (ج: 10 ص: 16 عند هذه الآية: "يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء المنافقين جماعة يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبونه ويقولون هو أذن سامعة يسمع من كل أحد ما يقول فيقبله ويصدقه.
            وهو من قولهم: رجل أذنة مثل (فعلة) إذا كان يسرع الاستماع والقبول، كما يقال: هو يقن ويقن إذا كان ذا يقين بكل ما حُدِّث. وأصله من أذن له يأذن إذا استمع له، ومنه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن".
            ومنه قول عدي بن زيد:
            أيها القلب تعلل بددن #إن همي في سماع وأذن "اهـ
            فهذه الكلمة يقولها أهل النفاق طعنا في الرسول صلى الله عليه وسلم واليوم يقولها أهل البدع والجهال طعناً في العلماء وإسقاطا لكلامهم، ودفعاً لعلمهم، فشابهوا بفعلهم هذا فعل أهل النفاق، ولا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
            الثالث : أن هذه الكلمة يتسور بها أصحابها لرد كلام أهل العلم في الأشخاص أوفي الأمور، وهذا من أسوأ وأبطل ما يكون إذ كلام العالم لا يرد إلا بدليل شرعي، فهل هذا من الأدلة الشرعية؟
            الرابع : أن هذه الكلمة فيها محاذير كثيرة منها ترسيخ انعدام الثقة بالشيخ في كلامه وأحكامه، وإذا ضاعت الثقة بالشيخ ضاعت الثقة بعلومه.
            الخامس : ومن محاذير هذه الكلمة أنها تسقط مهابة الشيخ وإجلاله من نفوس الطلاب.
            ومن العبارات الموهمة:
            قول بعضهم: "إسقاط الرموز أمر صعب".
            هكذا يبرر بعض الناس موقفه من البدع وأهلها؛ فإذا ما جاءت بدعة من أحد الناس ممن له نصيب في الشهرة امتنع عن فضحه ببدعته والتحذير منه، مبرراً موقفه هذا بأن الرموز صعب أن يسقطوا، وهذا تبرير باطل من وجوه منها:
            الوجه الأول : أن الرجال يعرفون بالحق، و لا يعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله، فهذا الرجل خالف الحق ووافق أهل البدع والأهواء وقال بمقولتهم فالحق ليس معه وينبغي التحذير مما معه من الباطل.
            الوجه الثاني : أن الواجب الكفائي من النصيحة والأمر بالمعروف يحتم إشهاره ببدعته تحذيراً ونصيحة للمسلمين حتى لا يقعوا فيما وقع فيه من الباطل.
            الوجه الثالث : أن الحق فوق كل أحد، ومن الكلمات المشهورة في ذلك: "فلان حبيب إلى قلبي لكن الحق أحب إلى قلبي منه"، فأنت حينما تعتمد فلاناً وتسكت عن بدعته جعلته مقدماً على الحق، ورفعته عليه، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟! فأنت بهذا جعلت هذا الشخص الذي وصفته بالرمز مقدماً على الحق فوقعت في الضلال.
            الوجه الرابع : أن هذا خلاف منهج السلف الصالح الذين تكلموا في أناس هم بمقاييس عصرنا من العلماء الكبار ومع ذلك لما صدر منهم ما يخالف ما عليه السلف الصالح أنكر عليهم ونسبوا إلى البدعة التي وقعوا فيها تحذيراً ونصيحة.
            الوجه الخامس : تطبيق هذه العبارة يخالف صراحة المنهج الذي قرره السلف في أخذ العلم: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"، فما بالك برجل يؤخذ عنه الحديث والتفسير والعقيدة والفقه، هل يسكت عما معه من البدعة بدعوى أن الكلام في الرموز صعب، أو يتكلم فيه وفي بدعته ويشهر أمره تحذيراً ونصيحة حتى لا يغتر الناس به وببدعته؟ لا شك أن الواجب هو البيان وإلا فإن سكوتك عن بيان حاله تدليس وتلبيس على المسلمين ولعلك تكون سبباً فيما يبثه بين الناس من بدعة وضلالة بهذا الموقف!
            الوجه السادس : أن حقيقة هذه العبارة هي تطبيق لمنهج الموازنات ، وهو منهج باطل يضيع ويميع الدين، و ما يعود الحق واضحاً جلياً، بل فيه إماتة للحق وضياع لأهله، إلا أن يشاء الله.
            الوجه السابع : هذه العبارة فيها تحزب وولاء وبراء لهذا الذي وصف بأنه رمز، جُعل هو الأصل للبراء والولاء بدلاً من الحق، وهذه من صفات أصحاب السبل الشيطانية، الذين يدعون أصحابها إلى النار.
            الوجه الثامن : أن هذه العبارة خروج عن منهج السلف فما سمعنا مثل هذه العبارة تقال في حق أحد من أئمة السلف ، وكل خير في إتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف!
            الوجه التاسع : ثم ما هو ضابط الرمز عندك ؟ كيف صار هذا الرجل عندك من الرموز؟ ومن الذي صرح لك أو له أن يكون رمزاً؟ يا أخي رحم الله رجلاً عرف قدر نفسه. وفي الحديث الصحيح: " عن عياض بن حمار، أخي بني مجاشع، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيبا. فقال "إن الله أمرني .... وإن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد".
            الوجه العاشر : إسقاط الرجل أو رفعته أمر بيد الله يصرفه كيف يشاء، ليس من شأنك؛ أدّ أنت الواجب الذي عليك من بيان الحق وإنكار المنكر، وتحذير الناس من بدعته، فإن قبل وتواضع للحق ورجع وتاب وأناب فإن الله سبحانه سيرفعه - إن شاء سبحانه - فإن من تواضع لله رفعه، وإن بغى واعتدى فهذا رجل من أهل البدع كيف يتباكى عليه وعلى إسقاطه، سبحان الله!

            من العبارات الموهمة:
            قول بعضهم: "هذا الشيخ ليس من العلماء الكبار".
            هذه الكلمة يرددها بعض الناس إذا أراد أن يرد كلاماً قاله أحد المشايخ، أو إذا أراد أن يصرف أحداً عن السماع لهذا الشيخ أو الأخذ منه؛ وخاصة فيما هو من باب إنكار المنكر والتحذير من البدع والتنبيه على الخطأ.
            وهذا من الباطل، الذي هو من نفثات الشيطان، ليصرف عن السماع للحق أو قبوله، وهي كلمة مردودة من وجوه؛
            منها: أن الأصل أن لا يرد الكلام بالأشخاص، بل يقبل الكلام ويرد بحسب موافقته للحق ومخالفته له، فإن وافق الحق قبلناه، وإن خالف الحق رددناه، أمّا أن يرد الكلام على قائله لمجرد أن قائله ليس من العلماء الكبار فلا؛ لمخالفته الأصل، وهو أن الحق لا يعرف بالرجال.
            ومنها : أن كون القائل من العلماء الكبار لا يعني أن كل كلامه حق، وكذا كونه من المشايخ الذين لم يصلوا إلى درجة العلماء الكبار لا يعني أن كل كلامه باطل، وكما جاء عن الإمام مالك رحمه الله: "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر"، فعاد الأمر إلى النظر في دليل هذا القائل ومدى موافقته للحق أو مخالفته.
            ومنها : أن هذه الكلمة فيها تزهيد للناس في العلماء وتضييع لحقهم، ما دام العالم غير معروف عندهم، أو ليست لهم به عناية، أو ليس له شهرة!
            ومنها : أن هذه الكلمة فيها إساءة أدب في حق العلماء، والواجب حفظ حقوقهم، واعتبار ما ظهر من حالهم بحسب الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح.
            ومنها : أن هذه الكلمة أصبحت من معاول الهدم عند أهل البدع يردون بها كلام أهل السنة والجماعة، فكل عالم يحذر من بدعة يقعون فيها أو من خطأ يتجارون فيه، يدفع كلامه ويحذر منه بأنه ليس من العلماء الكبار؛ فينبغي مخالفة أهل البدع والحذر من مناهجهم التي يحاربون بها الحق وأهله.
            ومنها : أن معنى هذا الكلام أن لا حق في إنكار الخطأ الذي يقع فيه هؤلاء الذين يسمون بالدعاة، أفراداً أو جماعات إلا لمن كان عندهم من العلماء الكبار، وهذا غير صحيح يخالف عموم قول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان".
            ومنها : أن الله عز وجل إنما أمر بالرجوع إلى أهل العلم بالكتاب والسنة (أهل الذكر) ولم يشترط أن يكونوا من المشهورين أو من العلماء الكبار، فقال تعالى:]وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاّ رِجَالاً نّوحِيَ إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ . بِالْبَيّنَاتِ وَالزّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنِّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [(سورة النحل:43-44).
            ومنها : أن العالم حينما يذكر لك بدعة أو خطأ وقع فيه هذا الرجل أو ذاك ، فإنه يخبرك عن حاله، وخبر الثقة مقبول، إلا أن يعارضه خبر مثله، و لا يشترط في ذلك أن يكون الرجل من العلماء المشهورين أو أن يكون من العلماء الكبار، إذ هذا لم يذكره الأئمة في شروط قبول الخبر! فالقول به خروج عن ما قرره أهل العلم!
            ومنها : أن واقع حال قائل هذه الكلمة يدل على أنه يريد فقط تقرير البدعة وترك إنكارها، لأنك حتى لو جئت له بكلام أهل العلم الكبار في رد هذا البدعة، أو هذه المقالة الباطلة، أو في توضيح خطأ هذا الرجل أو ذاك، لرده أيضاً ولكن بمقولة أخرى كأن يقول:
            يا أخي هذا الشيخ يؤثر عليه الذين حوله،
            أو يا أخي لا تفتشوا عن عقائد الناس وأخطائهم،
            أو يا أخي إسقاط الرموز أمر ليس بالهين،
            أو أنا غير ملزم بكلام هذا الشيخ، أو نحو هذه العبارات؛ والنتيجة أن يستمر الباطل وتستمر الدعوة إلى هذا الشخص وبدعته ، ويمرر دعاة الباطل ويلمعون على حساب السنة وأهلها، ويغرر بالناس، فيعود أهل الحق لا يعرفهم الناس، فلا يطلبون ما معهم من الحق؛ فلا يعرف الناس السنة، ويعود المعروف منكراً والمنكر معروفاً، فلا حول و لا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون.
            ومن العبارات الموهمة:
            قولهم: "يحمل كلام كل أحد من العلماء مجمله على مبينه".
            هكذا يقول بعض الناس، دفاعاً عن من صدرت منه عبارة بدعية، يؤيد بها مقولة من مقولات أهل البدع، فإذا جئت تحذر منه لعبارته تلك، دفع في صدرك بقوله: "احمل عبارته هذه على كلامه في الموضع الآخر من كتبه"؛ وهذا الأمر من الباطل، ومعول من معاول هدم السنة، ونصرة أهل البدعة، وبيان ذلك من وجوه:
            الأول : أننا لو سلمنا جدلاً صحة هذه العبارة، فإننا نقول: إن المجمل هو الكلام الذي لم يظهر معناه، وهنا العبارة المنتقدة عبارة ظاهرة في تقرير البدعة، فكيف تكون من باب المجمل؟ بل هي عبارة ظاهرة في معناها، فلا تحمل على غيرها. كيف وهذه العبارة غير صحيحة كما سيأتي؟!
            الثاني : هذا الأسلوب في التعامل مع عبارات غير المعصومين غير صحيح، لأن الأصل هو التعامل مع الناس بحسب الظاهر، والله يتولى السرائر. كما جاء في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رحمه الله أنه قال: "إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة".
            الثالث : إنما يحمل الكلام المجمل على المفصل إذا صدر من معصوم من الوقوع في الخطأ، و لا يناقض كلامه بعضه ببعض، أما غير المعصوم فلا! و لذلك ذكر أهل العلم أنه لا يتأول لغير المعصوم.
            الرابع : أن هذا خروج عن منهج السلف الصالح في باب رد البدع والإنكار على أهلها، فلم نرهم رحمهم الله حملوا كلام أحد مجمله على مبينه، أو ظاهره على مؤوله، بل كانوا رحمهم الله ينكرون المقالة البدعية إذا صدرت من أي أحد، ولم يقل أحد منهم: علينا أن نحمل كلام هذا العالم بعضه على بعض!
            الخامس : أن هذا المنهج يعطل باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنك ما تعود تنكر باطلاً ولا منكراً حتى تسأل عن مبينه وعن مؤوله، وهكذا حتى لا يتميز الحق ويضيع.
            السادس : أن هذا المنهج يفتح الباب لأهل الباطل في بث باطلهم، وكلما أراد أهل السنة فضحهم وبيان بدعهم تستروا بمثل هذه العبارات من باب حمل المجمل على المبين والظاهر على المؤول!
            السابع : أن هذه العبارة فتح لباب شر عظيم على عوام المسلمين، إذ يؤدي إلى تضييع التمييز بين أهل السنة وغيرهم، فلا يعرف أهل السنة فيؤخذ عنهم، و لا يعرف أهل البدعة فلا يؤخذ عنهم.
            الثامن : بالرجوع إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الألفاظ والعبارات التي كان يسمعها فإننا نراه عليه الصلاة والسلام لم يحمل مجملها على مبينه، و لا عامها على خاصه، إنما حكم على كل عبارة بحسبها، وانظر ما جاء في إنكاره صلى الله عليه وسلم قول الرجل: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل إنا نستشفع بك إلى الله ونستشفع بالله إليك؛ وتأمله تعلم صدق قولي في بطلان قولهم: يحمل كلام كل أحد مجمله على مبينه.
            التاسع : أن هذه العبارة تؤدي إلى تقرير تفسيرات الباطنية للشريعة، وتصحح كلام أكابرهم، وتروج له، وما أدى إلى باطل فهو باطل!

            تعليق


            • #7
              بسم الله الرحمن الرحيم

              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

              ومن العبارات الموهمة :
              قول بعضهم: "لا اقبل الجرح فيمن اعرفه حتى أقف عليه".
              هكذا يرد بعض الناس كلام العلماء في التحذير ممن تلبس ببدعة، ويدفع في صدور العلماء بعبارته هذه، مضيعاً حقوق العلماء الثقات اللازمة عليه. وسأبين بطلان هذه العبارة من خلال الوقفات التالية سائلاً الله التوفيق والهدى والرشاد والسداد:
              الوقفة الأولى: اعلم – وفقني الله وإياك لمرضاته – أن كلام العلماء في التحذير من أهل البدع هو من باب الخبر لا من باب الاجتهاد، وعليه فإن الواجب قبول خبر الثقة وعدم ردّه، و لا يدفع في صدره بأن يقول القائل: لا آخذ به حتى أقف على وجود هذا الأمر في الشخص المجروح!
              و على ذلك؛ فإن هذه العبارة تتعارض مع هذا الأصل المعروف عند أهل العلم (أعني: أن خبر الثقة مقبول).
              الوقفة الثانية: قبول خبر الثقة إتباع له، و ليس من باب التقليد، والخلط بين البابين يوقع في خبط لا يليق بطالب العلم، وبيان ذلك:
              أن التقليد أخذ بقول غيرك وجعله كالقلادة تحيط بعنقك يحولك إلى أي جهة، بينما الإتباع أخذ بالحجة التي أظهرها لك غيرك. وخبر الثقة أنت تتبعه و لا تتقلده.
              ولأوضح لك أكثر: إذا جاءك خبر عن إمام بشأن راوي من الرواة أنه يقول بكذا وبكذا من أقوال أهل البدع، فهل أخذك بكلام هذا الإمام هو من باب التقليد أو الإتباع؟ الجواب: هو من باب الإتباع لا التقليد.
              لو فرضنا أن إماماً من أئمة الجرح عدّل هذا الراوي الذي جرحه هذا الإمام، فهل يسع الإمام الذي عدّله أن يرد جرح الإمام الذي جرحه أو يلزمه قبوله؟
              الجواب (حسب المقرر في علوم الحديث): يلزمه قبوله، لماذا؟ لأن الجرح المفسر مقدم على التعديل، و لا يصح أن يقال: على المعدل الذي عرف هذا الراوي بالعدالة أن يرد جرح الراوي حتى يقف هو بنفسه على هذا الجرح! لا يصح هذا لأن مع الجارح زيادة علم يجب عليه قبولها، وعلينا إتباعه فيها إذ الجرح مقدم على التعديل.
              والعبارة المذكورة : (لا اقبل الجرح فيمن اعرفه حتى أقف عليه)؛ تتنافى مع هذا التقرير.
              الوقفة الثالثة: متى يقبل قول المعدل ويرد قول الجرح؟
              الجواب (حسب المقرر في علوم الحديث) : يرد قول الجارح في الحالات التالية:
              إذا كان جرحاً مجملاً في حق من ثبتت عدالته. أمّا من لم تثبت عدالته فإن المختار إعمال الجرح المجمل في حقه.
              إذا كان مع المعدل زيادة العلم، بأن يذكر سبب الجرح الذي جرح به الراوي ويرده.
              إذا كان الجارح ممن لا يعتمد قوله في الجرح والتعديل.
              عليه أقول: هذه العبارة تتنافى مع تصرفات أهل العلم، إذ كيف ترد عبارة عالم ثقة معتمد في الجرح والتعديل جاء بجرح مفسر في رجل، ولم يأت المعدل بشيء يجعل معه زيادة علم؟
              الوقفة الرابعة : بعض الناس يقيس حال قائل هذه العبارة بما جرى عليه ابن حبان وتلميذه الحاكم من الاستقلال في الجرح والتعديل، فيشغب ويتباكى بأن قائل هذه العبارة جرى في سبيل جرى فيه الحاكم؟
              والجواب : هذا فهم لكلام الأئمة على غير وجهه، وضرب من مناحي الاستدلال غريب، وذلك أن من نظر في كلام ابن حبان والحاكم في الجرح والتعديل وجده مشحوناً بكلام الأئمة قبلهما في الجرح والتعديل، وأظنك لو طالعت أحوال الرواة الذين تكلم عليهم ابن حبان وتلميذه أبو عبد الله الحاكم لن تجد فيهم راوياً أورد في ترجمته كلاماً لإمام من الأئمة ثم هو يخالفه و لا يعتمده، بدعوى أنه لم يقف عليه بنفسه!
              وهذا يدل على أن ابن حبان والحاكم رحمهما الله لم يريدا بعبارتهما تلك إلا بيان أنهما ينظران في حديث الراوي للحكم عليه في حال لم يجدا للأئمة كلاما في الراوي، أو في حال وجدا ما يدفع به جرح الراوي لأن في هذه الحال الواجب إتباع من معه زيادة علم، فافهم.
              الوقفة الخامسة : قائل هذه العبارة يدافع بها عن رجل عرفت ألفته وصحبته لأصحاب البدع وكشفت حاله، فلا يصح أن ينزل منزلة من ثبتت عدالته أصلاً، بل هو في أحسن الأحوال ممن لم تثبت عدالته، فهذا يعتمد في حقه الجرح المجمل على المختار، فما بالك بجرح مفسر ليس مع المعدل (أعني : هذا الذي يقول العبارة التي نرد عليها) ما يدفعه به؟!
              الوقفة السادسة : تطبيق هذه العبارة : يفضي إلى أمور من الباطل لو تنبه لها هذا القائل لعله كان عدل عنها، من ذلك: يلزم منها إسقاط كلام الأئمة في الجرح والتعديل، فما يعود أحد يقبل كلامه في الجرح والتعديل، فهذا الرجل يعرفه فلان فلا يقبل فيه كلام غيره، وهذا يعرفه فلان فلا يقبل فيه كلام غيره، وهكذا يضيع علم الجرح ولتعديل!
              من لوازمها الباطلة إحداث خلل في قواعد العلم يفضي إلى ضرب من العبث والفوضى، مما جعل بعض العلماء يقول: تقليد منظم و لا اجتهاد أهوج.
              ومن لوازمها الباطلة: الإخلال بأدب الطالب مع العلماء، وإهدار حقوقهم!
              الوقفة السابعة : لماذا ترضى لنفسك أيها الأخ الوقوف في صف أهل البدع تدافع عنهم وتذب عنهم؟ أليست السنة وأهلها أولى بك وأحرى؟!
              ومن العبارات الموهمة :
              قول بعضهم: "لا تفتش عن عقائد الناس وأخطائهم".
              هذه العبارة يكررها بعض الناس إذا ما بلغه تحذير من أحد العلماء أو طلبة العلم من مقالة بدعية صدرت من بعض الناس، أو خطأ علمي ينبه عليه، ويحذر منه، فتراه يتمعر وجهه ويتغير شكله، ويقول: لا تفتشوا عن عقائد الناس وتبحثوا عن أخطائهم.
              والواقع أن هذه العبارة في هذا المحل من الحق الذي أريد به باطل، وبيان ذلك هو التالي:
              أولاً : محل هذه العبارة في البحث عن السرائر والأمور الخفية التي لم تظهر بـــذاتها أو بقرائن تدل عليها، وليس محل هذه العبارة عند ظهور بدعة صدرت من أحدهم، أو مقالة باطلة نادى إليها أحدهم، إذ فرق بين الظاهر وبين ما هو خفي يستر و لا يعرف هو أو ما يدل عليه.
              ثانياً : ترك التنبيه على الخطأ والتحذير من البدعة والباطل، معناه تغرير عامة الناس بل حتى بعض طلبة العلم الذين قد لا ينتبهون لهذا الحال.
              ثالثاً : هل كلام السلف في تحذيرهم من بدع أهل الباطل إلا من باب الكلام والتحذير من العقائد الباطل، والبدع المخالفة للسنة؟ فكيف يقال لمن حذر من بدعة أظهرها شخص ما، أو نبه على خطأ وقع فيه إنسان ما : لا تفتش عن عقائد الناس؟!
              رابعاً : التفتيش عن عقائد الناس بالسؤال والامتحان كما صنع المأمون في مسألة خلق القرآن من البدع التي يحذر منها، وليس منه بيان البدع التي ينادي بها بعض الناس والتحذير منها، وليس منه كشف أباطيل دعاة الباطل والتحذير منهم، فإن هذا غير هذا.
              خامساً : هؤلاء الذين يذمون من يكشف أهل الباطل ويحذر منهم، إما أن ينكروا البدع وإمّا أن لا ينكرونها، فإن أنكروا البدع ونبهوا على الخطأ والباطل وحذروا منه فقد أصابوا – إن شاء الله تعالى – لكن لماذا ينكرون على غيرهم ما يقومون هم به من إنكار البدع والتحذير من الباطل؟! أما إذا لم ينكروا البدع ولم يحذروا الناس من الباطل فهذا خروج عن منهج السلف في هذا الباب وكفى بهذا ذماً لهم!
              سادساً : قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما في الدرر السنية (1/33): "وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله.
              ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به، وغلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته؛ وحرم الخروج عليه.
              وأرى هجرأهلالبدع، ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأَكِلُ سرائرهم إلى الله ؛ وأعتقد : أن كل محدثه في الدين بدعة"اهـ .
              والشاهد قوله: " وأرى هجرأهلالبدع، ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأَكِلُ سرائرهم إلى الله ؛ وأعتقد : أن كل محدثه في الدين بدعة"اهـ
              وهذا كلام سلفي أثري ينبثق من كلمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، التي ذكرتها سابقاً حيث قال رضي الله عنه، كما جاء في صحيح البخاري: "إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة".
              فانظر إلى قوله رحمه الله : "وأحكم عليهم بالظاهر" وإلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة"، ثم انظر إلى هذا الذي ينكر على من حذر من أهل البدع وفضح باطلهم، بدعوى أنه من باب تفتيش عقائد الناس، هل يصح هذا؟ سبحانك ربي! أليس في الحكم على الناس بحسب الظاهر والتحذير من صاحب البدعة إن أظهر بدعته عمل بهذا الأصل الذي قرره الفاروق رضي الله عنه؟!
              ثم ماذا يريد هؤلاء، هذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وقف من داود بن علي موقفاً لا أدري ماذا يسميه هؤلاء، في قصة ذكرها الخطيب البغدادي (في تاريخ بغداد 8/374 بسند رجاله ثقات)، فقد أتى داود بن علي الأصبهاني إلى صالح بن أحمد بن حنبل وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن (يعني: علاقته به كانت حسنة) فكلم صالحا أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه.
              فأتى صالح أباه (أحمد بن حنبل) فقال له: رجل سألني أن يأتيك؟
              قال: ما اسمه ؟
              قال: داود
              قال : من أين؟
              قال: من أهل أصبهان.
              قال: أي شيء صناعته؟
              قال : وكان صالح يروغ عن تعريفه إياه. فما زال أبو عبد الله يفحص عنه حتى فطن.
              فقال: هذا قد كتب إلي محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني.
              قال : يا أبت ينتفي من هذا وينكره.
              فقال أبو عبد الله (أحمد بن حنبل): محمد بن يحيى أصدق منه لا تأذن له في المصير إلي".
              تأمل أخي موقف الإمام أحمد، هل هذا الإمام وهو إمام أهل السنة والجماعة في الإقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وإتباع آثار الصحابة رضوان الله عليهم، فهل كان يفتش عن عقائد الناس ويتتبع أخطاءهم؟! وانظر كلامه مع كلام عمر بن الخطاب السابق: "ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة".
              فهذا كلام محمد بن عبد الوهاب يصدقه كلام أحمد بن حنبل يصدقه كلام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
              فهل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأحمد بن حنبل رحمه الله ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله كانوا يفتشون عن عقائد الناس ويتتبعون أخطاءهم لما يردون البدع ويحكمون على الناس بحسب ظاهرهم وإن قالوا إن باطنهم حسنا؟!
              والله الموفق.

              تعليق

              يعمل...
              X