خلاصة ما هو مطلوب منك أيها المسلم الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي (ت 294)
عن أَبي رُقَيَّةَ تَمِيم بن أوس الداريِّ - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحةُ(1) » قلنا: لِمَنْ ؟ قَالَ: «لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(2) رواه مسلم.
حكى الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" عن بعض أهل العلم أنه فسر هذا الحديث بما لا مزيد على حسنه، ونحن نحكيه هاهنا بلفظه إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن نصر: قال بعض أهل العلم:
جماع تفسير النصيحة هي: عناية القلب للمنصوح له كائنا من كان وهي على وجهين:
أحدهما فرض، والآخر نافلة:
فالنصيحة المفترضة لله : هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء مافترض، ومجانبة ما حرم.
وأما النصيحة التي هي نافلة: فهي إيثار محبته على محبة نفسه؛ وذلك أن يعرض له أمران: أحدهما لنفسه والآخر لربه؛ فيبدأ بما كان لربه ويؤخر ما كان لنفسه.
فهذه جملة تفسير النصيحة لله الفرض منه، وكذلك تفسير النافلة.
وسنذكر بعضه ليفهم بالتفسير من لا يفهم بالجملة :
فالفرض منها: مجانبة نهيه، وإقامة فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقاً له، فإن عجز عن الإقامة بفرضه لآفة حلّت به - من مرض أو حبس أو غير ذلك - عَزَم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلة المانعة له، قال الله عز وجل: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فسمّاهم محسنين؛ لنصيحتهم لله بقلوبهم لما مُنعوا من الجهاد بأنفسهم.
وقد تُرفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات، ولا يرفع عنهم النصح لله؛ فلو كان من مرض بحال لا يمكنه عمل شيء من جوارحه بلسان ولا غيره غير أن عقله ثابت لم يسقط عنه النصح لله بقلبه؛ وهو أن يندم على ذنوبه وينوي - إن صح - أن يقوم بما افترض الله عليه، ويجتنب ما نهاه عنه، وإلاّ كان غير ناصح لله بقلبه، وكذلك النصح لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم فيما أوجبه على الناس عن أمر ربه.
ومن النصح الواجب لله: أن لا يرضى بمعصية العاصي، ويحب طاعة من أطاع الله ورسوله.
وأما النصيحة التي هي نافلة لا فرض: فبذل المجهود بإيثار الله تعالى على كل محبوب بالقلب، وسائر الجوارح؛ حتى لا يكون في الناصح فضلاً عن غيره؛ لأن الناصح إذا اجتهد لم يؤثر نفسه عليه، وقام بكل ما كان في القيام به سروره ومحبته، فكذلك الناصح لربه.
ومن تنفل لله بدون الاجتهاد فهو ناصح على قدر عمله غير مستحق للنصح بكماله.
وأما النصيحة لكتابه : فشدة حبه، وتعظيم قدره؛ إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، وشدة العناية في تدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه و يقوم به له بعد ما يفهمه.
وكذلك الناصح من العباد يفهم وصية من ينصحه، إن ورد عليه كتاب من عُني بفهمه؛ ليقوم عليه بما كَتَب فيه إليه.
فكذلك الناصح لكتاب ربه يُعني بفهمه ليقوم لله بما أمره به كما يحب ربنا ويرضي، ثم ينشر ما فهم في العباد، ويديم دراسته بالمحبة له، والتخلّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه.
وأما النصيحة للرسول صلى الله عليه و سلم : في حياته: فبذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته وبذل المال إذا أراده والمسارعة إلى محبته.
وأما بعد وفاته: فالعناية بطلب سنته، والبحث عن أخلاقه وآدابه، وتعظيم أمره، ولزوم القيام به، وشدة الغضب والإعراض عمن تديَّن بخلاف سنته، والغضب على من ضيعها لأثرة دنيا، وإن كان متدينا بها، وحب من كان منه بسبيل من قرابة أو صهر أو هجرة أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام، والتشبه به في زيه ولباسه.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين : فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل.
وأما النصيحة للمسلمين : فأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفقَ عليهم، ويرحمَ صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضرَّه ذلك في دنياه، كرخص أسعارهم وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب ما صلاحهم وألفتهم ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم. اهـ
جاهد نفسك على التخلق بخلق النصح تجد حلاوة الإيمان وتكون من أولياء الرحمن أهل البر والإحسان.
لو اطلعت على ضمير الناصح لوجدته ممتلئاً نوراً وأمناً ورحمة وشفقة.
ولو شاهدت أفكاره لرأيتها تدور حول مصالح المسلمين مجملة ومفصلة.
ولو تأملت أعماله وأقواله لرأيتها كلها صريحة متفقة.
أولئك السادة الأخيار وأولئك الصفوة الأبرار؛ لقد نالوا الخير الكثير بالنيات الصالحة والعمل اليسير.
خلاصة ما هو مطلوب منك أيها المسلم
الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي (ت 294)
____________________
(1) قال الخطابي: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، قال: وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحت العسل إذا خلّصته من الشمع.
(2) قال أبو داود : هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه. وقال الحافظ أبو نعيم: هذا الحديث له شأن عظيم. وذكر محمد بن أسلم الطوسي أنه أحد أرباع الدين.
قال الحافظ ابن رجب:حكى الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" عن بعض أهل العلم أنه فسر هذا الحديث بما لا مزيد على حسنه، ونحن نحكيه هاهنا بلفظه إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن نصر: قال بعض أهل العلم:
جماع تفسير النصيحة هي: عناية القلب للمنصوح له كائنا من كان وهي على وجهين:
أحدهما فرض، والآخر نافلة:
فالنصيحة المفترضة لله : هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء مافترض، ومجانبة ما حرم.
وأما النصيحة التي هي نافلة: فهي إيثار محبته على محبة نفسه؛ وذلك أن يعرض له أمران: أحدهما لنفسه والآخر لربه؛ فيبدأ بما كان لربه ويؤخر ما كان لنفسه.
فهذه جملة تفسير النصيحة لله الفرض منه، وكذلك تفسير النافلة.
وسنذكر بعضه ليفهم بالتفسير من لا يفهم بالجملة :
فالفرض منها: مجانبة نهيه، وإقامة فرضه بجميع جوارحه ما كان مطيقاً له، فإن عجز عن الإقامة بفرضه لآفة حلّت به - من مرض أو حبس أو غير ذلك - عَزَم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلة المانعة له، قال الله عز وجل: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ فسمّاهم محسنين؛ لنصيحتهم لله بقلوبهم لما مُنعوا من الجهاد بأنفسهم.
وقد تُرفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات، ولا يرفع عنهم النصح لله؛ فلو كان من مرض بحال لا يمكنه عمل شيء من جوارحه بلسان ولا غيره غير أن عقله ثابت لم يسقط عنه النصح لله بقلبه؛ وهو أن يندم على ذنوبه وينوي - إن صح - أن يقوم بما افترض الله عليه، ويجتنب ما نهاه عنه، وإلاّ كان غير ناصح لله بقلبه، وكذلك النصح لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم فيما أوجبه على الناس عن أمر ربه.
ومن النصح الواجب لله: أن لا يرضى بمعصية العاصي، ويحب طاعة من أطاع الله ورسوله.
وأما النصيحة التي هي نافلة لا فرض: فبذل المجهود بإيثار الله تعالى على كل محبوب بالقلب، وسائر الجوارح؛ حتى لا يكون في الناصح فضلاً عن غيره؛ لأن الناصح إذا اجتهد لم يؤثر نفسه عليه، وقام بكل ما كان في القيام به سروره ومحبته، فكذلك الناصح لربه.
ومن تنفل لله بدون الاجتهاد فهو ناصح على قدر عمله غير مستحق للنصح بكماله.
وأما النصيحة لكتابه : فشدة حبه، وتعظيم قدره؛ إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، وشدة العناية في تدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه و يقوم به له بعد ما يفهمه.
وكذلك الناصح من العباد يفهم وصية من ينصحه، إن ورد عليه كتاب من عُني بفهمه؛ ليقوم عليه بما كَتَب فيه إليه.
فكذلك الناصح لكتاب ربه يُعني بفهمه ليقوم لله بما أمره به كما يحب ربنا ويرضي، ثم ينشر ما فهم في العباد، ويديم دراسته بالمحبة له، والتخلّق بأخلاقه، والتأدُّب بآدابه.
وأما النصيحة للرسول صلى الله عليه و سلم : في حياته: فبذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته وبذل المال إذا أراده والمسارعة إلى محبته.
وأما بعد وفاته: فالعناية بطلب سنته، والبحث عن أخلاقه وآدابه، وتعظيم أمره، ولزوم القيام به، وشدة الغضب والإعراض عمن تديَّن بخلاف سنته، والغضب على من ضيعها لأثرة دنيا، وإن كان متدينا بها، وحب من كان منه بسبيل من قرابة أو صهر أو هجرة أو نصرة أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام، والتشبه به في زيه ولباسه.
وأما النصيحة لأئمة المسلمين : فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل.
وأما النصيحة للمسلمين : فأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفقَ عليهم، ويرحمَ صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضرَّه ذلك في دنياه، كرخص أسعارهم وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب ما صلاحهم وألفتهم ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم. اهـ
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي:
لو اطلعت على ضمير الناصح لوجدته ممتلئاً نوراً وأمناً ورحمة وشفقة.
ولو شاهدت أفكاره لرأيتها تدور حول مصالح المسلمين مجملة ومفصلة.
ولو تأملت أعماله وأقواله لرأيتها كلها صريحة متفقة.
أولئك السادة الأخيار وأولئك الصفوة الأبرار؛ لقد نالوا الخير الكثير بالنيات الصالحة والعمل اليسير.
نقله لكم