قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله
نقلته من كتابه "المقترح"
نقلته من كتابه "المقترح"
ومن لم يكن من المحدثين فلا بد أن يتخبط في عبادته، وفيوعظه، وفي معاملته، وفي جميع شئونه. لأنّه لا يؤمن أن يحدث بحديث ضعيف. وأنا آتيكم بمثال أو بأمثلة:
من الأمثلة على هذا حديث قد شاع وذاع: ((حبّ الوطن من الإيمان)) هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومن الأمثلة على هذا أيضًا حديث: ((اختلاف أمّتي رحمة)) حديث لا يوجد له سند، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومن الأمثلة على هذا أيضًا حديث: ((الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني))، هذا حديث معناه صحيح. لكنه بهذا اللفظ ضعيف، لأنه من طريق أبي بكر بن أبي مريم، وقد اختلط بسبب حليّ سرقت عليه.
ومن الأمثلة: قصة يحدّث بها في الحرمين ويحدّث بها في الإذاعات، قصة ثعلبة، التي فيها أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يسأل الله أن يرزقه مالاً، وأنه قيل له: ((يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه))، وذكرت في "الجلالين"، وقلّ أن تجد تفسيرًا إلاّ وقد ذكرت فيه.
هذه القصة استفدنا تضعيفها في أول الأمر من أبي محمد بن حزم رحمه الله تعالى، قال: إن في سندها معان بن رفاعة، وعلي بن يزيد الألهاني، والقاسم بن عبدالرحمن، وثلاثتهم ضعفاء. ثم روجع "مجمع الزوائد" فإذا هو يقول: في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو متروك. ثم روجع "تخريج الكشاف" للحافظ ابن حجر فإذا هو يقول: في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واه، ثم روجع "تخريج الإحياء" فإذا الحافظ العراقي يقول: إن في سندها ضعفًا. وناهيك بالسيوطي تساهلاً فإنه ذكرها في "لباب النقول من أسباب النّزول".
هذه القصة كان بعض علماء الحرم يحدث بها فقيل له: يا شيخ إنّها ضعيفة. قال: نريد أن نرقّق بها قلوب العامة.
يا سبحان الله!! أما في كتاب الله، ولا في صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يرقق قلوب العامّة!! {فبأيّ حديث بعد الله وءاياته يؤمنون}.
ومن الأمثلة على هذا حديث: ((لا يؤمن أحدكم حتّى يكون هواه تبعًا لما جئت به)) وما أكثر ما قد حدثْنا بهذا الحديث! يقول الحافظ ابن رجب في كتابه "جامع العلوم والحكم": إنه من طريق نعيم بن حماد، وهو ضعيف. هذه علة.
والعلة الثانية: أنه اختلف على نعيم في شيخه. والعلة الثالثة: أنه لا يدرى أسمع عقبة بن أوس من عبدالله بن عمرو أم لم يسمع؟
ومن الأمثلة على هذا: ((من تعلّم لغة قوم أمن مكرهم)) هذا الحديث بحث عنه الباحثون فلم يجدوا له أصلاً، وإن كان معناه صحيحًا، لكن لا يجوز لنا أن نضيف إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا ما ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ومن الأمثلة على هذا: أنكم تجدون بعض الأئمة عند تسوية الصفوف يقول: ((استووا فإنّ الله لا ينظر إلى الصّفّ الأعوج))، وهذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويكفي أن تقول: استووا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لتسوّنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم)).
من الأمثلة على هذا -أي على الأحاديث الموضوعة- أنّهم رووا حديثًا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من قال حين يسمع المؤذّن يقول: أشهد أنّ محمدًا رسول الله، ثمّ ينفث في ظفري إبْهاميه ويمسح بهما عينيه ثمّ يقول: مرحبًا بحبيبي وقرّة عيني. قال: فمن قالها فإنّه لا يرمد)) الحديث ذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الضعيفة والموضوعة".
ومن الأمثلة على هذا حديث: ((أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن يرد المدينة فليأت الباب)). فيه عبدالسلام بن صالح أبوالصلت الهروي وهو متروك.
والصحيح كاف. يكفي ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويكفي كتاب الله، فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من كذب عليّ متعمّدًا فليتبوّأ مقعده من النّار)). هذا مرويّ عن علي بن أبي طالب، وعن المغيرة بن شعبة، وعن الزبير بن العوام وعن قدر ستين صحابيًا.
ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من حدّث عنّي حديثًا وهو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين)).