التمسك بالسنة لا يُنافي التقدم
بقلم / الشيخ : محمد بن عبد الله الإمام
إنَّ مما ينبغي التفطن له وإدراكه جيداً أنّ الإسلام لا يمنع من التقدم في علوم وأحوال دنيوية بل إنّ الإسلام يُنعش ما كان صالحاً للتقدم في أمور الدنيا. قال أمير المؤمنين المشهور بابن شهاب ( العلم فيه نعشٌ للدين والدنيا ) أخرجه ابن المبارك في الزهد رقم (817)وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله رقم( 1018 )وهو صحيح إلى ابن شهاب .
وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة ( فقوام الدين والدنيا إنما هو بالعلم ) .
وللعلامة الشنقيطي كلام نفيس في هذه المسألة في( أضواء البيان ج 3 / 435 ـ 438 ) قال : ( ومن هدي القرآن للتي هي أقوم : ـ هديُه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين فما خيَّله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام ( من أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام ـ باطل لا أساس له ، والقرآن الكريم يدعو إلى التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أودين ) .
ولكن ذلك التقدم في حدود الدين والتحلي بآدابه الكريمة وتعاليمه السماوية قال تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... الآية ) الأنفال : الآية 60 وقال : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وأَلَنَّا لَهُ الحديد أن اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السرد وَاعْمَلُوا صَالِحاً ...) الآية فقوله (أن اعمل سابغات وقدر في السرد ) يدل على الاستعداد لمكافحة العدو .
وقوله ( واعملوا صالحاً ) يدل على أنَّ ذلك الاستعداد لمكافحة العدو في حدود الدين الحنيف . وداود من أنبياء ( سورة الأنعام) المذكورين في قوله تعالى [ ومن ذريته داود ] الآية ......
وقد قال مخاطباً نبينا صلى الله عليه وسلم بعد أن ذكرهم ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) .
وقد ثبت في صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل بن عباس رضي الله عنهما : من أين أخذت السجدة في سورة (ص) ؟ ، فقال رضي الله عنه: أوَما تقرأ [ ومن ذريته داود ] ، [ أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده] فسجدها داود ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فدل ذلك على أنّا مخاطبون بما تضمنته الآية مما أُمر به داود . فعلينا أن نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا ، وانظر قوله تعالى : [ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ] فهو أمرٌ جازمٌ بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت .
فدل ذلك على أنّا مخاطبون بما تضمنته الآية مما أُمر به داود . فعلينا أن نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا ، وانظر قوله تعالى : [ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ] فهو أمرٌ جازمٌ بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت .
فهو أمر جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية ، وعدم الجمود على الحالات الأُول إذا طرأ تطورٌ جديدٌ ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين .
ومن أوضح الأدلة في ذلك قوله تعالى : [ وإذا كنت فيهم فأقمتَ لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم......] .الآية .
فصلاة الخوف المذكورة في هذه الآية الكريمة تدل على لزوم الجمع بين مكافحة العدو ، وبين القيام بما شرعه الله جل وعلا من دينه فأَمره تعالى في هذه الآية بإقامة الصلاة في وقت التحام الكفاح المسلح يدل على ذلك دلالة في غاية الوضوح وقد قال تعالى : [ يا أيها الذين أمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ] فأَمره في هذه الآية الكريمة بذكر الله كثيراً عند التحام القتال يدل على ذلك أيضاً دلالةً واضحةً.
فالكفار خيَّلوا لضعاف العقول أنَّ النسبة بين التقدم والتمسك بالدين ، والسمت الحسن والأخلاق الكريمة تَباين مقابلة كتباين النقيضين كالعدم والوجود والنفي والإثبات ..........
فخيَّلوا لهم أن التقدم والتمسك بالدين متباينان تباين مقابلة بحيث يستحيل اجتماعهما فكان من نتائج ذلك انحلالهم من الدين رغبة في التقدم فخسروا الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين والتحقيق أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين بالنظر إلى العقل وحده وقطع النظر عن نصوص الكتاب والسنة إنَّما هـي تباين المخالفة .