كنت متوجهًا إلى المستشفى ؛ لإجراء بعض الفحوصات . كانت الشوارع خالية - على غير العادة ؛ فلم أستغرق وقتًا طويلا للوصول إلى المستشفى .
معظم الأطباء لم يكونوا موجودين في عياداتهم ، لكن – بفضل الله تعالى ، كان المكلف بإجراء الفحوصات متواجدًا .
أولادي الصغار كانوا معي .
سمعنا صوت ضجة عظيمة ، انزعج لها ابني الصغير ذو الأربع سنوات ، قائلا : ما هذا يا أبي ؟!!!
يقولون : إذا عُرف السبب ، بطل العجب ، و لكن مع أن السبب معروفٌ مشهورٌ - و هو مباراة في كرة القدم بين فريقين مسلمين - فإن العجب لا ينقضي !!!
إن ما حدث لابني الصغير ، قد تكرر مع ابن أحد معارفي . و لقد دار في خَلَدي - عندما حكى لي صاحبي عن ابنه - أن هذين الصغيرين يعرفان حقائق الأمور أكثر من كثيرٍ من الكبار ؛ لأنهما أقرب إلى الفطرة ، لم تتغير عقولهما بالشحن الإعلامي ، و غيره من المؤثرات ، فهما يعلمان أن هذه اللعبة لا تستحق كل هذا الاهتمام ، بل الهَوَس .
نعم ، التمرينات الرياضية مفيدة ، و لكن هذه الكرة تشغل أوقاتنا ، و تستنزف أموالنا ، و تكشف عوراتنا ، و تفسد أخلاقنا ، و تؤجج نار الخصام بيننا ، و تَحُوزُ عقولَنا و قلوبَنا ...
نعم ، يُقال أن العقل السليم في الجسم السليم ، و لكن هذه الكرة تضر العقل و الجسم !
تضر الجسم ؛ بسبب الإصابات المتعمدة بين اللاعبين ، و بسبب المشاجرات ، بل و المواجهات التي تحدث بين مشجعي الفريقين . و قد قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم : " كل المسلم على المسلم حرام . دمه و ماله و عرضه . " ( صحيح مسلم 2564 ) .
و هي تشغل العقل ، حتى قال أحدهم أن اللاعب يركل – مع الكرة – قلب المتفرج ! ، و تجد آخر كأنه يريد أن يقفز إلى داخل جهاز التلفاز ؛ ليحرز الهدف الذي فشل فيه اللاعب ! ، و ثالث يقول : لقد كانت تسعين دقيقة عصيبة !! ، و رابع يُغمى عليه و يُنقل إلى المستشفى !!! ، و يا أسفي على من أصيب بالسكتة القلبية ؛ بسبب الهدف الذي سكن شباك فريقه ...
إذا علمنا هذا ، فلا تستغربوا الأسئلة الآتية :
أيهما أهم لدي المشاهدين : صافرة الحكم ، معلنًا انتهاء المباراة ، أم نفخة إسرافيل - عليه السلام - المؤذنة بانتهاء الدنيا . أيهما حاضرٌ في ذهنه ، و يشغل تفكيره أكثر ، و يحمل همه ، و يدفعه إلى العمل لأجله ؟
أيهما أشد عند المتفرجين : انتظارهم في المدرجات منذ الصباح ؛ لمشاهدة المباراة ، أم انتظار الناس يوم القيامة ؛ لفصل القضاء ؟!
كأني بهم – خوفًا من أن يخسر فريقهم المباراة – يقولون – كما يقول الرسل – عليهم الصلاة و السلام - يوم القيامة : اللهم سَلِّم سَلِّم .
لماذا الخوف من إنفلونزا الخنازير في سفر العمرة ، و أين هذا الخوف في السفر لمشاهدة المباريات ؟
كل هذه : المناقشات ، و الحوارات ، و اللقاءات ، و البرامج ، و المقابلات ، و المقالات ... ، هل تستقيم مع قول النبي – صلى الله عليه و سلم – كما في صحيح مسلم 2858 : " و الله ، ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم . فلينظر بم يرجع " ؟!
قال الله – تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " ( سورة الحجرات ، الآية 10 ) ، فهل يجمعنا الدين و تفرقنا الكرة ؟!
ما كل هذا ؟ و لماذا كل هذا ؟
ألهذا خُلِقنا ؟
أبهذا أُمِرنا ؟
الآن ، بعد أن انقشع الغبار ، و هدأت الأصوات ،
هل تصدقون ما حدث ؟!
هل تَرَوْن ما فعلنا بأنفسنا ؟
إذا كان الشيء يُعرف بثمرته ، فإن النتيجة كانت : أحزانٌ و أتراح ، و آلامٌ و جراح .
" قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " ( سورة آل عمران ، الآية 15 ) .
يقول العلامة ابن القيم - في " الجواب الكافي " ص 89 : " فكل من أحب شيئًا غيرَ الله ، عُذب به ثلاث مرات في هذه الدار : فهو يُعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حصل عُذب به حال حصوله بالخوف من سلبه و فواته و التنغيض والتنكيد عليه و أنواع من العذاب في هذه المعارضات ، فإذا سُلِبه اشتد عليه عذابه . فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار "
إن الفطرة السليمة إذا انضاف إليها العلم الصحيح - و هو متيسرٌ بإذن الله - علمت ما ينفعها و فعلته ، و ما يضرها و اجتنبته ، " و هذا كله إنما يحصل مع صحة الفطرة و سلامتها ، و أما مع فسادها ، فقد يحس الإنسان باللذيذ ، فلا يجد له لذة ، بل يؤلمه , وكذلك يلتذ بالمؤلم ؛ لفساد الفطرة . " ( مجموع الفتاوى 7/25 ) .
و ما أرحم ربنا - سبحانه - بنا ، إذ يدعونا إلى الحياة الحقيقية في الدار التي لا تنغيص فيها و لا كدر ، و إنما نعيمٌ مقيمٌ ، فيقول - تعالى : " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ( سورة يونس ، الآيتان 25 ، 26 ) .
و كتبه أبو أحمد ، خالد بن إبراهيم بن عبد الرازق الشرقاوي ، في القاهرة العامرة ، في صبيحة يوم الأربعاء ، الثامن من شهر ذي الحجة الحرام لعام ثلاثين و أربعمائة و ألف من هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم .
معظم الأطباء لم يكونوا موجودين في عياداتهم ، لكن – بفضل الله تعالى ، كان المكلف بإجراء الفحوصات متواجدًا .
أولادي الصغار كانوا معي .
سمعنا صوت ضجة عظيمة ، انزعج لها ابني الصغير ذو الأربع سنوات ، قائلا : ما هذا يا أبي ؟!!!
يقولون : إذا عُرف السبب ، بطل العجب ، و لكن مع أن السبب معروفٌ مشهورٌ - و هو مباراة في كرة القدم بين فريقين مسلمين - فإن العجب لا ينقضي !!!
إن ما حدث لابني الصغير ، قد تكرر مع ابن أحد معارفي . و لقد دار في خَلَدي - عندما حكى لي صاحبي عن ابنه - أن هذين الصغيرين يعرفان حقائق الأمور أكثر من كثيرٍ من الكبار ؛ لأنهما أقرب إلى الفطرة ، لم تتغير عقولهما بالشحن الإعلامي ، و غيره من المؤثرات ، فهما يعلمان أن هذه اللعبة لا تستحق كل هذا الاهتمام ، بل الهَوَس .
نعم ، التمرينات الرياضية مفيدة ، و لكن هذه الكرة تشغل أوقاتنا ، و تستنزف أموالنا ، و تكشف عوراتنا ، و تفسد أخلاقنا ، و تؤجج نار الخصام بيننا ، و تَحُوزُ عقولَنا و قلوبَنا ...
نعم ، يُقال أن العقل السليم في الجسم السليم ، و لكن هذه الكرة تضر العقل و الجسم !
تضر الجسم ؛ بسبب الإصابات المتعمدة بين اللاعبين ، و بسبب المشاجرات ، بل و المواجهات التي تحدث بين مشجعي الفريقين . و قد قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم : " كل المسلم على المسلم حرام . دمه و ماله و عرضه . " ( صحيح مسلم 2564 ) .
و هي تشغل العقل ، حتى قال أحدهم أن اللاعب يركل – مع الكرة – قلب المتفرج ! ، و تجد آخر كأنه يريد أن يقفز إلى داخل جهاز التلفاز ؛ ليحرز الهدف الذي فشل فيه اللاعب ! ، و ثالث يقول : لقد كانت تسعين دقيقة عصيبة !! ، و رابع يُغمى عليه و يُنقل إلى المستشفى !!! ، و يا أسفي على من أصيب بالسكتة القلبية ؛ بسبب الهدف الذي سكن شباك فريقه ...
إذا علمنا هذا ، فلا تستغربوا الأسئلة الآتية :
أيهما أهم لدي المشاهدين : صافرة الحكم ، معلنًا انتهاء المباراة ، أم نفخة إسرافيل - عليه السلام - المؤذنة بانتهاء الدنيا . أيهما حاضرٌ في ذهنه ، و يشغل تفكيره أكثر ، و يحمل همه ، و يدفعه إلى العمل لأجله ؟
أيهما أشد عند المتفرجين : انتظارهم في المدرجات منذ الصباح ؛ لمشاهدة المباراة ، أم انتظار الناس يوم القيامة ؛ لفصل القضاء ؟!
كأني بهم – خوفًا من أن يخسر فريقهم المباراة – يقولون – كما يقول الرسل – عليهم الصلاة و السلام - يوم القيامة : اللهم سَلِّم سَلِّم .
لماذا الخوف من إنفلونزا الخنازير في سفر العمرة ، و أين هذا الخوف في السفر لمشاهدة المباريات ؟
كل هذه : المناقشات ، و الحوارات ، و اللقاءات ، و البرامج ، و المقابلات ، و المقالات ... ، هل تستقيم مع قول النبي – صلى الله عليه و سلم – كما في صحيح مسلم 2858 : " و الله ، ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه في اليم . فلينظر بم يرجع " ؟!
قال الله – تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " ( سورة الحجرات ، الآية 10 ) ، فهل يجمعنا الدين و تفرقنا الكرة ؟!
ما كل هذا ؟ و لماذا كل هذا ؟
ألهذا خُلِقنا ؟
أبهذا أُمِرنا ؟
الآن ، بعد أن انقشع الغبار ، و هدأت الأصوات ،
هل تصدقون ما حدث ؟!
هل تَرَوْن ما فعلنا بأنفسنا ؟
إذا كان الشيء يُعرف بثمرته ، فإن النتيجة كانت : أحزانٌ و أتراح ، و آلامٌ و جراح .
" قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " ( سورة آل عمران ، الآية 15 ) .
يقول العلامة ابن القيم - في " الجواب الكافي " ص 89 : " فكل من أحب شيئًا غيرَ الله ، عُذب به ثلاث مرات في هذه الدار : فهو يُعذب به قبل حصوله حتى يحصل ، فإذا حصل عُذب به حال حصوله بالخوف من سلبه و فواته و التنغيض والتنكيد عليه و أنواع من العذاب في هذه المعارضات ، فإذا سُلِبه اشتد عليه عذابه . فهذه ثلاثة أنواع من العذاب في هذه الدار "
إن الفطرة السليمة إذا انضاف إليها العلم الصحيح - و هو متيسرٌ بإذن الله - علمت ما ينفعها و فعلته ، و ما يضرها و اجتنبته ، " و هذا كله إنما يحصل مع صحة الفطرة و سلامتها ، و أما مع فسادها ، فقد يحس الإنسان باللذيذ ، فلا يجد له لذة ، بل يؤلمه , وكذلك يلتذ بالمؤلم ؛ لفساد الفطرة . " ( مجموع الفتاوى 7/25 ) .
و ما أرحم ربنا - سبحانه - بنا ، إذ يدعونا إلى الحياة الحقيقية في الدار التي لا تنغيص فيها و لا كدر ، و إنما نعيمٌ مقيمٌ ، فيقول - تعالى : " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " ( سورة يونس ، الآيتان 25 ، 26 ) .
و كتبه أبو أحمد ، خالد بن إبراهيم بن عبد الرازق الشرقاوي ، في القاهرة العامرة ، في صبيحة يوم الأربعاء ، الثامن من شهر ذي الحجة الحرام لعام ثلاثين و أربعمائة و ألف من هجرة النبي محمد صلى الله عليه و سلم .