سلسلة
"النفائس من بهجة المجالس وأنس المجالس"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فهذه السلسلة عبارة عن فوائد وآداب جمعتها من كتاب "بهجة المجالس وأنس المجالس" للحافظ الإمام ابن عبد البر الأندلسي المالكي رحمه الله
نسأل الله عز وجل الإخلاص في القول والعمل.
الحلقة
(1)
أدب المجالسة وحق الجليس الصالح
1. قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدكم المجلس فليسلّم، وإذا قام فليسلم، فليست الأولى بأحقّ من الأخرى " .
2. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه "
3. قال صلّى الله عليه وسلّم: " إذا قام الرّجل من مجلسه، فهو أحق به " .
4. قال عمر بن الخطّاب: فحسب المرء من العيّ أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه أن يجد على النّاس فيما تأتيه، وأن يظهر له من النّاس ما يخفى عليه من نفسه.
5. قال عمر رضي الله عنه: إن مما يصفّي وداد أخيك، أن تبدأه بالسّلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحبّ الأسماء إليه، وأن توسّع له في المجلس.
6. قال أيّوب الأنصاريّ: من أراد أن يكثر علمه، فليجالس غير عشيرته.
7. قال المدائني: أوصى يحيى بن خالد ابنه، فقال: يا بنيّ إذا حدّثك جليسك حديثاً، فأقبل عليه وأصغ إليه ، ولا تقل قد سمعته وإن كنت أحفظ له، وكأنك لم تسمعه إلاّ منه، فإنّ ذلك يكسبك المحبة والميل إليك.
8. عن عبد الملك بن عمير، قال: قال سعيد بن العاص: لجليسي عليّ ثلاث خصال: إذا دنا رحّبت به، وإذا جلس وسّعت له وإذا حدث أقبلت عليه.
9. ذكر ابن مقسم، قال: سمعت المبرِّد يقول : الاستماع بالعين، فإذا رأيت عين من تحدّثه ناظرةً إليك فاعلم أنه يحسن الاستماع.
10. قال عمرو بن العاص: لا أملُّ جليسي ما فهم عنّي، وإنما الملال لدناءة الرّجال.
11. قال الشّعبيّ في قومٍ ذكرهم: ما رأيت مثلهم أشدّ تنابذاً في مجلس، ولا أحسن فهماً من محدِّث.
12. روى الأصمعيّ عن العلاء بن جرير عن أبيه، قال: قال الأحنف بن قيس: لو جلس إليّ مائةٌ لأحببت أن ألتمس رضى كلّ واحدٍ منهم.
13. قال عبد الله بن عبّاس: أعز الناس عليّ جليسي الذي يتخطّى النّاس إليّ، أما والله إنّ الذّباب يقع عليه فيشقّ عليّ .
14. قال كشاجم:
وجليسٍ لي أخي ثقةٍ ... كأن حديثه خبره
يسرّك حسن ظاهره ... وتحمد منه محتضره
ويستر عيب صاحبه ... ويستر أنّه ستره
15. وقال آخر:
جليسٌ لي له أدب ... رعاية مثله تجب
لو انتقدت خلائقه ... لبهرج عندها الذّهب
16. عن ابن عبّاس، أنه قال: إنّي لأكره أن يطأ الرجل بساطي ثلاثاً فلا يرى عليه أثرى.
17. عنه أيضاً رضي الله عنه، أنه سئل: من أكرم الناس عليك؟ قال: جليسي حتّى يفارقني.
18. قال عليّ بن الحسين: ما جلس إليّ أحدٌ قط، إلاّ عرفت له فضله حتى يقوم.
19. قال أبو عبادة: ما جلس رجل بين يديّ، إلا مثّل لي أني جالس بين يديه.
20. روى عن عبد الله بن يزيد، وقد روى ذلك لأبي حازم، أنه قال: وطّن نفسك على الجليس السوء، فإنه لا يكاد يخطئك.
21. قال بعض الحكماء: رجلان ظالمان يأخذان غير حقّهما، رجلٌ وسّع له في مجلس ضيّق فتربّع وتفتح، ورجلٌ أهديت إليه نصيحةٌ فجعلها ذنباً.
22. قال مسعر بن كدام: رحم الله من أهدى إلىّ عيوبي في ستر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
23. عن الأحنف أنه قال: ما جلست مجلساً قطّ، أخاف أن أقام منه لغيري
24. قال البعيث بن حريث:
وإنّ مكاني في النّدىّ ومجلسي له ... الموضع الأقصى إذا لم أقرّب
ولست وإن قرّبت يوماً ببائعٍ ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التّحبُّب
ويعتدّه قومٌ كثيرٌ تجارةً ... و يمنعني من ذاك ديني ومنصبي
25. جلس رجل إلى الحسن بن عليّ رضي الله عنه، فقال: جلست إلينا على حين قيام، أفتأذن؟!
26. كان يقال: إياك وكلُّ جليسٍ لا تصيب منه خيراً.
27. وعن معاذ بن جبل، أنه قال: إيّاك وكلّ جليسٍ لا يفيدك علماً.
28. كان يقال: من سرّه أن يعظم حلمه ، وينفعه علمه، فليقلّ من مجالسته من كان بين ظهرانيه.
29. قال الحسن البصريّ: انتقوا الإخوان، والأصحاب، والمجالس.
30. كان يقال: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وركناً في المجالس، الموطَّئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون.
31. كان يقال: الجليس الصّالح خيرمن الوحدة، والوحدة خيرٌ من الجليس السّوء.
32. كان الأحنف إذا أتاه رجلٌ أوسع له، فإن لم يكن له سعة أراه كأنّه يوسع له.
33. قال ابن شبرمة لابنه: يا بنيّ! إياك وطول المجالسة، فإنّ الأسد إنما يجترىء عليها من أدام النظر إليها.وهذا عندي مأخوذٌ من قول أردشير لابنه: يابنيّ لا تمكّن الناس من نفسك فإن أجرأ النّاس على السّباع، أكثرهم لها معاينة. ومن هذا - والله أعلم - أخذ ابن المعتزّ قوله:
رأيت حياة المرء ترخص قدره ... فإن مات أغلته المنايا الطّوائح
كما يخلق الثّوب الجديد ابتذاله ... كذا تخلق المرء العيون الّلوامح
34. من سوء الأدب في المجالسة:
أن تقطع على جليسك حديثه، أو تبدره إلى تمام ما ابتدأ به خبراً كان أو شعراً، تتمّ له البيت الذي بدأ به، وتريه أنك أحفظ منه. فهذا غايةٌ في سوء المجالسة، بل يجب أن تصغي إليه كأنك لم تسمعه قط إلاّ منه.
35. قيل لداود الطّائّي: لم تركت مجالسة الناس؟ قال: ما بقي إلاّ كبيرٌ يتحفّظ عليك، أوصغيرٌ لا يوقِّرك.
36. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لا تجالس عدوّك، فإنه يحفظ عليك سقطاتك ويماريك في صوابك.
37. قالت الخنساء:
إنّ الجليس يقول القول تحسبه ... خيراً وهيهات فانظر ما به التمسا
38. كان يقال: رأس التّواضع، الرّضا بالدُّون من المجلس.
39. قال إبراهيم النَّخعيّ إنّ الرجل ليجلس مع القوم فيتكلّم بالكلام، يريد الله به، فتصيبه الرَّحمة فتعمُّ من حوله، وإنّ الرجل يجلس مع القوم فيتكلّم بالكلام يسخط الله به، فتصيبه السَّخطة فتعمُّ من حوله.
40. أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، ويقال إنها له:
إن صحبنا الملوك تاهوا وعقّوا... واستخفّوا كبراً بحقّ الجليس
أو صحبنا االنّجار صرنا إلى البؤ ... س وعدنا إلى عداد الفلوس
فلزمنا البيوت نستخرج العل ... م ونملا به بطون الطّروس
41. أنشد أبو عبد الله بن الأعرابيّ - صاحب الغريب - :
لنا جلساءٌ ما نملّ حديثهم ...ألّباء مأمونون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدّدا
بلا فتنةٍ تخشى ولا سوء عشرةٍ ... ولا نتّقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أمواتٌ فلست بكاذبٍ ... وإن قلت أحياءٌ فلست مفنّدا
"النفائس من بهجة المجالس وأنس المجالس"
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
فهذه السلسلة عبارة عن فوائد وآداب جمعتها من كتاب "بهجة المجالس وأنس المجالس" للحافظ الإمام ابن عبد البر الأندلسي المالكي رحمه الله
نسأل الله عز وجل الإخلاص في القول والعمل.
الحلقة
(1)
أدب المجالسة وحق الجليس الصالح
1. قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدكم المجلس فليسلّم، وإذا قام فليسلم، فليست الأولى بأحقّ من الأخرى " .
2. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه "
3. قال صلّى الله عليه وسلّم: " إذا قام الرّجل من مجلسه، فهو أحق به " .
4. قال عمر بن الخطّاب: فحسب المرء من العيّ أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه أن يجد على النّاس فيما تأتيه، وأن يظهر له من النّاس ما يخفى عليه من نفسه.
5. قال عمر رضي الله عنه: إن مما يصفّي وداد أخيك، أن تبدأه بالسّلام إذا لقيته، وأن تدعوه بأحبّ الأسماء إليه، وأن توسّع له في المجلس.
6. قال أيّوب الأنصاريّ: من أراد أن يكثر علمه، فليجالس غير عشيرته.
7. قال المدائني: أوصى يحيى بن خالد ابنه، فقال: يا بنيّ إذا حدّثك جليسك حديثاً، فأقبل عليه وأصغ إليه ، ولا تقل قد سمعته وإن كنت أحفظ له، وكأنك لم تسمعه إلاّ منه، فإنّ ذلك يكسبك المحبة والميل إليك.
8. عن عبد الملك بن عمير، قال: قال سعيد بن العاص: لجليسي عليّ ثلاث خصال: إذا دنا رحّبت به، وإذا جلس وسّعت له وإذا حدث أقبلت عليه.
9. ذكر ابن مقسم، قال: سمعت المبرِّد يقول : الاستماع بالعين، فإذا رأيت عين من تحدّثه ناظرةً إليك فاعلم أنه يحسن الاستماع.
10. قال عمرو بن العاص: لا أملُّ جليسي ما فهم عنّي، وإنما الملال لدناءة الرّجال.
11. قال الشّعبيّ في قومٍ ذكرهم: ما رأيت مثلهم أشدّ تنابذاً في مجلس، ولا أحسن فهماً من محدِّث.
12. روى الأصمعيّ عن العلاء بن جرير عن أبيه، قال: قال الأحنف بن قيس: لو جلس إليّ مائةٌ لأحببت أن ألتمس رضى كلّ واحدٍ منهم.
13. قال عبد الله بن عبّاس: أعز الناس عليّ جليسي الذي يتخطّى النّاس إليّ، أما والله إنّ الذّباب يقع عليه فيشقّ عليّ .
14. قال كشاجم:
وجليسٍ لي أخي ثقةٍ ... كأن حديثه خبره
يسرّك حسن ظاهره ... وتحمد منه محتضره
ويستر عيب صاحبه ... ويستر أنّه ستره
15. وقال آخر:
جليسٌ لي له أدب ... رعاية مثله تجب
لو انتقدت خلائقه ... لبهرج عندها الذّهب
16. عن ابن عبّاس، أنه قال: إنّي لأكره أن يطأ الرجل بساطي ثلاثاً فلا يرى عليه أثرى.
17. عنه أيضاً رضي الله عنه، أنه سئل: من أكرم الناس عليك؟ قال: جليسي حتّى يفارقني.
18. قال عليّ بن الحسين: ما جلس إليّ أحدٌ قط، إلاّ عرفت له فضله حتى يقوم.
19. قال أبو عبادة: ما جلس رجل بين يديّ، إلا مثّل لي أني جالس بين يديه.
20. روى عن عبد الله بن يزيد، وقد روى ذلك لأبي حازم، أنه قال: وطّن نفسك على الجليس السوء، فإنه لا يكاد يخطئك.
21. قال بعض الحكماء: رجلان ظالمان يأخذان غير حقّهما، رجلٌ وسّع له في مجلس ضيّق فتربّع وتفتح، ورجلٌ أهديت إليه نصيحةٌ فجعلها ذنباً.
22. قال مسعر بن كدام: رحم الله من أهدى إلىّ عيوبي في ستر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع.
23. عن الأحنف أنه قال: ما جلست مجلساً قطّ، أخاف أن أقام منه لغيري
24. قال البعيث بن حريث:
وإنّ مكاني في النّدىّ ومجلسي له ... الموضع الأقصى إذا لم أقرّب
ولست وإن قرّبت يوماً ببائعٍ ... خلاقي ولا ديني ابتغاء التّحبُّب
ويعتدّه قومٌ كثيرٌ تجارةً ... و يمنعني من ذاك ديني ومنصبي
25. جلس رجل إلى الحسن بن عليّ رضي الله عنه، فقال: جلست إلينا على حين قيام، أفتأذن؟!
26. كان يقال: إياك وكلُّ جليسٍ لا تصيب منه خيراً.
27. وعن معاذ بن جبل، أنه قال: إيّاك وكلّ جليسٍ لا يفيدك علماً.
28. كان يقال: من سرّه أن يعظم حلمه ، وينفعه علمه، فليقلّ من مجالسته من كان بين ظهرانيه.
29. قال الحسن البصريّ: انتقوا الإخوان، والأصحاب، والمجالس.
30. كان يقال: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وركناً في المجالس، الموطَّئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون.
31. كان يقال: الجليس الصّالح خيرمن الوحدة، والوحدة خيرٌ من الجليس السّوء.
32. كان الأحنف إذا أتاه رجلٌ أوسع له، فإن لم يكن له سعة أراه كأنّه يوسع له.
33. قال ابن شبرمة لابنه: يا بنيّ! إياك وطول المجالسة، فإنّ الأسد إنما يجترىء عليها من أدام النظر إليها.وهذا عندي مأخوذٌ من قول أردشير لابنه: يابنيّ لا تمكّن الناس من نفسك فإن أجرأ النّاس على السّباع، أكثرهم لها معاينة. ومن هذا - والله أعلم - أخذ ابن المعتزّ قوله:
رأيت حياة المرء ترخص قدره ... فإن مات أغلته المنايا الطّوائح
كما يخلق الثّوب الجديد ابتذاله ... كذا تخلق المرء العيون الّلوامح
34. من سوء الأدب في المجالسة:
أن تقطع على جليسك حديثه، أو تبدره إلى تمام ما ابتدأ به خبراً كان أو شعراً، تتمّ له البيت الذي بدأ به، وتريه أنك أحفظ منه. فهذا غايةٌ في سوء المجالسة، بل يجب أن تصغي إليه كأنك لم تسمعه قط إلاّ منه.
35. قيل لداود الطّائّي: لم تركت مجالسة الناس؟ قال: ما بقي إلاّ كبيرٌ يتحفّظ عليك، أوصغيرٌ لا يوقِّرك.
36. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لا تجالس عدوّك، فإنه يحفظ عليك سقطاتك ويماريك في صوابك.
37. قالت الخنساء:
إنّ الجليس يقول القول تحسبه ... خيراً وهيهات فانظر ما به التمسا
38. كان يقال: رأس التّواضع، الرّضا بالدُّون من المجلس.
39. قال إبراهيم النَّخعيّ إنّ الرجل ليجلس مع القوم فيتكلّم بالكلام، يريد الله به، فتصيبه الرَّحمة فتعمُّ من حوله، وإنّ الرجل يجلس مع القوم فيتكلّم بالكلام يسخط الله به، فتصيبه السَّخطة فتعمُّ من حوله.
40. أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، ويقال إنها له:
إن صحبنا الملوك تاهوا وعقّوا... واستخفّوا كبراً بحقّ الجليس
أو صحبنا االنّجار صرنا إلى البؤ ... س وعدنا إلى عداد الفلوس
فلزمنا البيوت نستخرج العل ... م ونملا به بطون الطّروس
41. أنشد أبو عبد الله بن الأعرابيّ - صاحب الغريب - :
لنا جلساءٌ ما نملّ حديثهم ...ألّباء مأمونون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدّدا
بلا فتنةٍ تخشى ولا سوء عشرةٍ ... ولا نتّقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أمواتٌ فلست بكاذبٍ ... وإن قلت أحياءٌ فلست مفنّدا
تعليق