تعالوا أيها الشباب نتذاكر
للشيخ / عبدالسلام بن برجس العبدالكريم
رحمه الله تعالى
رحمه الله تعالى
إلى شباب هذا البلد، إلى من عقدت الأمة آمالها عليهم، إلى من ننتظرهم جنوداً للإسلام وبلاد المسلمين ومقدساتهم.. إليكم أكتب هذه الأحرف مقسماً بالله الذي لا إله غيره أني أرقب الله تعالى في كل حرف أسطره وفي كل حكمٍ أنقله، أريدُ الحفاظ عليكم، والنجاة لكم.. لقد أدركتُ وأدركتُ بعد سبرٍ طويل: أنكم هدفٌ للأعداء لا ليقضوا عليكم، بل ليستخدموكم سلاحاً للقضاء على مجتمعكم، بإشعال الفتن فيه، وإشغاله بصراعاته الداخلية عن الحضور في الساحات الدولية، حتى يبقى اليهودُ في هيمنةٍ كاملة وامتدادٍ ميسور، حتى ينحسر خير الدعوة إلى الله عن بلاد الغرب، حتى يتخذوا من أعمالِ بعض المندفعين صوراً تشويهيةً للإسلام لو بذلوا على تحصيلها ملايين الأموال وخزائن الذهب ما استطاعوا عن طريقها أن يصدوا الناس عن سبيل الله.
فهل يكون المرء المسلم الشاب الغيور في خندق الأعداء وهو لا يشعر؟
إن الشيطان الرجيم يقول - كما صحَّ ذلك عن الأوزاعي في سنن الدارمي -: «أهلكتُ الناس بالذنوب، فأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، وهم يحسبون أنهم مهتدون». ما أشدَّ مكره وتلبيسه، إنه يريد نجاح قضيته، إنه يريد إغواء العباد ليكونوا في حزبه، فيدخلوا معه النار.. يا له من سلاح فاتك يا له من مرض صامتٍ قاتل، يهلك العباد بماذا؟ بالأهواء التي متى خالطت القلوب أعمتها، وجعلت الغشاوة عليها، فاختلطت الموازين عندها، حتى ترى الباطل حقاً والحق باطلاً والبدعة سنة والسنة بدعة.. هذه المرحلة من الإضلال أخشى أن يوجهها شياطين الجن والإنس إليكم معاشر شبابنا صفوة أمتنا، فيخسروا أمتهم، وتخسرهم الأمة، والرابح العدو المبين.
لقد قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بأيدي الشباب الذين تلقفتهم الأهواء واصطادهم الأعداء، تحت مبرراتٍ واهية وظنون خاطئة، فكان ماذا؟ إنه الجرح الغائر في قلب الأمة، إنه الإضعاف لوحدة المسلمين، إنه الخدمة المجانية التي لا تقدر بثمن لإبليس وجنوده من المتربصين بهذه الأمة. وعلى إثر هذا الحادث: وقع التفرق بين الأمة، ونزفت الدماء بين أبنائها، وعطل الجهاد في سبيل الله لاشتغال الأمة بفتنها الداخلية، وجاءت الطامة الأخرى بقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.. وهكذا سلسلة من الضرائب القاسية تدفعها الأمة بسبب فكرٍ منحرف أو مذهب سوء أو مطمعٍ دنيوي، ما أشقى من تولى كبرها، ذنوبها إلى اليوم تودع في كتابه فبئس المصير.
أُخيَّ الشاب: انطلق هؤلاء المنتمون إلى تنظيم القاعدة من شبهاتٍ واهية، فبنوا عليها ما رأيت وما سمعتَ من عملياتٍ انتحارية في بلاد الإسلام مدينة الرياض، أفلا تبعث في نفسك هذه الصور تساؤلات: هل عمل هؤلاء على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ر د» رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها؟
إنهم يقولون: هذه الحكومة ليس لها ولاية وبيعتها باطلة. أفلا تقول لهم: وأنتم من خولكم من الأمة لتقوموا بهذه الأعمال؟ ومن أين استمددتم شرعيتكم؟ هذه الدولة السعودية أفتى جميع العلماء أهل الصلاح بصحة ولايتها فاقرؤوا كلام الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، و الشيخ عبدالله العنقري والشيخ عمر بن سليم، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ محمد العثيمين، كلُّ هؤلاء ينصون بكلامٍ صريح يوقعون فيه عن الله ربِّ العالمين على أنَّ هذه الدولة السعودية دولة شرعية وبيعة ولاتها بيعة صحيحة ملزمة، وأن الخروج عليها خروجٌ على جماعة المسلمين. فهل هؤلاء الكبار يجمعون على ضلالة ويتواطؤون على منكر؟ {سٍبًحّانّكّ هّذّا بٍهًتّانِ عّظٌيمِ} .
فاحفظ دينك أيها الشاب الغيور وإياك أن تضرب بكلام هؤلاء العلماء المبني على النصوص الشرعية الواضحة عرض الحائط، وتأخذ من فلانٍ أو فلانٍ ممن لا يعرف بعلم أو ينتمي إلى فكرٍ يخدمه بتحريف النصوص والكذب على دين الله، فالله لم يستشهد على أعظم قضية وهي التوحيد سوى بنفسه والملائكة والعلماء، قال تعالى: {شّهٌدّ الله أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ هٍوّ وّالًمّلائٌكّةٍ وّأٍوًلٍوا العٌلًمٌ قّائٌمْا بٌالًقٌسًطٌ لا إلّهّ إلاَّ هٍوّ العّّزٌيزٍ الحّكٌيمٍ } فاعتبر، ولا تَقْدُمْ على الله وخصمك أولئك العلماء.
وبناءً على باطل اتباع تنظيم القاعدة انهم الجهة الشرعية التي تمثل الأمة، وأن ولاية الدولة غير صحيحة؛ قاموا بقتل من دخل إلى بلادنا من النصارى بأمانٍ، وقالوا: دخولهم إلى جزيرة العرب محرَّم؛ فقتلهم جهاد في سبيل الله.
وفي هذا التصرف من المصادمة للنصوص المحكمة من الكتاب والسنة ما هو معروف لدى صغار طلبة العلم، وعوام المسلمين يدركون ذلك:
أ فقد أجار النبي صلى الله عليه وسلم مشركين حربيين أجارتهما أم هانئ رضي الله عنها فقال: «قد أجرنا من أجرت» أخرجاه في الصحيحين، وأخذ منه العلماء أن المرأة المسلمة لو أجارت كافراً صحَّ ذلك، ووجب على المسلمين جميعهم تأمينه، ف«ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم».
ب أجمع المسلمون على تحريم قتل المعاهد بغير حق ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً».
ج «عن رفاعة بن شداد قال: كنتُ أقوم على رأس المختارِ» يعني أنه حارسُ للمختار بين أبي عبيد الكذاب مدعي النبوة (فلما تبينت كذِبه، هممت والله أن أسُلَّ سيفي، فأضرب به عنقه حتى ذكرتُ حديثاً حدثنيه عمرو بن الحمق قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أَمَّنَ رجلاً على نفسه، فقتله، أعطي لواء الغدر يوم القيامة») رواه أحمد والنسائي والطواوي بإسنادٍ صحيح، وفي لفظٍ عند أحمد والطحاوي بإسنادٍ حسن: «من ائتمنه رجل على دمه فقتله، فأنا منه بريء، وإن كان المقتول كافراً»، وفي لفظٍ آخر عند عبدالرزاق في مصنفه: «أيما رجل أمَّن رجلاً على دمه، فقتله، فقد برئت من القاتل ذمةُ الله، وإن كان المقتول كافراً».
لعلَّك أيها الشاب المحب لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركت بمجرد النظر إلى هذا الحديث وما سبقه أن عمل هؤلاء مخالفٌ تماماً للنصوص، مخالف لعمل السلف رضي الله عنهم، فهذا مدعي النبوة المختار بن أبي عبيد الذي أجمع الناس على ردته وكفره، لا يقدم أحد كبار التابعين على قتله مع أنه قائم بالسيف على رأسه، لأجل أنه تربى على تحكيم نصوص الشرع لا العواطف، تربى على البعد عن الخيانة، ولو كان أحد أعضاء تنظيم القاعدة - فرضاً - قائماً على رأس المختار لقتله غدراً دون مبالاة، والعياذ بالله، كما فعلوا في الرياض من قتل من دخل بلادنا بأمانٍ على نفسه وماله. فماذا نقول لله تعالى؟ ماذا نقول للتاريخ عندما يسطرنا معشر المسلمين في عداد الغادرين؟ عذراً فمن فَعَلَ ذلك فقد برئنا إلى الله وإلى الناس منه ومن عمله.
أرأيت أخي الشاب كيف أن أولئك يتركون النصوص المحكمة ويتعلقون بالمتشابه بل بالوهم والتخمين. فأي وجه ارتباطٍ بين كون المشركين لا يبقون في جزيرة العرب وبين قتلهم بهذه الطريقة؟ أيُّ حق في قتل من أمَّنَهُ المسلمون أو واحدٌ من المسلمين؟ أيُّ حق في القتل غدراً؟ إن الجاهلين العرب في جاهليتهم أحسنُ مروءة وأوفى عهداً من هؤلاءِ، فالله المستعان.
أدعوك أخي الشاب لقراءة تفسير قوله تعالى: {إنَّ اللهّ يٍدّافٌعٍ عّنٌ الذٌينّ آمّنٍوا إنَّ اللّهّ لا يٍحٌبٍَ كٍلَّ خّوَّانُ كّفٍورُ } في كتاب «الجامع لأحكام القرآن» للإمام القرطبي المتوفى 671 هـ رحمه الله تعالى في 12/67 حيث يقول: روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يَقْتُلَ من أمكنه من الكفَّار وَيَغْتال ويَغْدِر ويحتال؛ فنزلت هذه الآية. فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصح نهيٍ عن الخيانة والغدر. أ.هـ.
اقرؤوا أيها الشباب هذا، وأكثروا من الارتباط بعلمائكم الكبار ومن هم على شاكلتهم من الطلبة الأقوياء، وهم كثر بحمد الله: مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الشيخ عبدالله الغديان، الشيخ محمد السبيل، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ صالح آل الشيخ، الشيخ عبدالمحسن العبيكان، الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ، الشيخ عبدالمحسن العباد، وابنه الشيخ عبدالرزاق، الشيخ عبدالله القرعاوي، الشيخ عبدالله الركبان، وغيرهم كثير. اعتنوا وفقكم الله بالاجتهاد فيما تجدون أنفسكم تحسنه، فمن كان همه العبادة اجتهد فيها، ومن كان همه طلب العلم اجتهد فيه، ومن كان له تجارة أو عمل أحسن فيه وأتقنه.
فالقاعدة الشرعية السلوكية «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» يجب أن تكون نصب أعينكم، فمن خاض فيما لا يعنيه وقع في البلاء والشر، فالذي يتدخل في أمور العلماء وليس منهم يُضِر كثيراً ويُفسدُ أيما فسادٍ ذريع، والذي يتدخل في باب الوعظ والإرشاد وليس أهلاً، هو كذلك، والذي يتدخل في منصب الإمامة والولاية وليس هو من الأئمة والولاة، يُفسِد ويخرب، قال الحسن البصري رحمه الله: «من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شُغْلَهُ فيما لا يعنيه» وقال سهل بن عبدالله التستري: «من اشتغل بما لا يعنيه نال العدو منه حاجته».
أسأل الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين الحفظ من كيد كل كائد مبطل، والتوفيق لجمع كلمة المسلمين على الحق، وحماية بيضتهم من الصدع.
أُخيَّ الشاب: انطلق هؤلاء المنتمون إلى تنظيم القاعدة من شبهاتٍ واهية، فبنوا عليها ما رأيت وما سمعتَ من عملياتٍ انتحارية في بلاد الإسلام مدينة الرياض، أفلا تبعث في نفسك هذه الصور تساؤلات: هل عمل هؤلاء على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ر د» رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها؟
إنهم يقولون: هذه الحكومة ليس لها ولاية وبيعتها باطلة. أفلا تقول لهم: وأنتم من خولكم من الأمة لتقوموا بهذه الأعمال؟ ومن أين استمددتم شرعيتكم؟ هذه الدولة السعودية أفتى جميع العلماء أهل الصلاح بصحة ولايتها فاقرؤوا كلام الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، و الشيخ عبدالله العنقري والشيخ عمر بن سليم، والشيخ سليمان بن سحمان، والشيخ عبدالرحمن السعدي، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ محمد العثيمين، كلُّ هؤلاء ينصون بكلامٍ صريح يوقعون فيه عن الله ربِّ العالمين على أنَّ هذه الدولة السعودية دولة شرعية وبيعة ولاتها بيعة صحيحة ملزمة، وأن الخروج عليها خروجٌ على جماعة المسلمين. فهل هؤلاء الكبار يجمعون على ضلالة ويتواطؤون على منكر؟ {سٍبًحّانّكّ هّذّا بٍهًتّانِ عّظٌيمِ} .
فاحفظ دينك أيها الشاب الغيور وإياك أن تضرب بكلام هؤلاء العلماء المبني على النصوص الشرعية الواضحة عرض الحائط، وتأخذ من فلانٍ أو فلانٍ ممن لا يعرف بعلم أو ينتمي إلى فكرٍ يخدمه بتحريف النصوص والكذب على دين الله، فالله لم يستشهد على أعظم قضية وهي التوحيد سوى بنفسه والملائكة والعلماء، قال تعالى: {شّهٌدّ الله أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ هٍوّ وّالًمّلائٌكّةٍ وّأٍوًلٍوا العٌلًمٌ قّائٌمْا بٌالًقٌسًطٌ لا إلّهّ إلاَّ هٍوّ العّّزٌيزٍ الحّكٌيمٍ } فاعتبر، ولا تَقْدُمْ على الله وخصمك أولئك العلماء.
وبناءً على باطل اتباع تنظيم القاعدة انهم الجهة الشرعية التي تمثل الأمة، وأن ولاية الدولة غير صحيحة؛ قاموا بقتل من دخل إلى بلادنا من النصارى بأمانٍ، وقالوا: دخولهم إلى جزيرة العرب محرَّم؛ فقتلهم جهاد في سبيل الله.
وفي هذا التصرف من المصادمة للنصوص المحكمة من الكتاب والسنة ما هو معروف لدى صغار طلبة العلم، وعوام المسلمين يدركون ذلك:
أ فقد أجار النبي صلى الله عليه وسلم مشركين حربيين أجارتهما أم هانئ رضي الله عنها فقال: «قد أجرنا من أجرت» أخرجاه في الصحيحين، وأخذ منه العلماء أن المرأة المسلمة لو أجارت كافراً صحَّ ذلك، ووجب على المسلمين جميعهم تأمينه، ف«ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم».
ب أجمع المسلمون على تحريم قتل المعاهد بغير حق ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً».
ج «عن رفاعة بن شداد قال: كنتُ أقوم على رأس المختارِ» يعني أنه حارسُ للمختار بين أبي عبيد الكذاب مدعي النبوة (فلما تبينت كذِبه، هممت والله أن أسُلَّ سيفي، فأضرب به عنقه حتى ذكرتُ حديثاً حدثنيه عمرو بن الحمق قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أَمَّنَ رجلاً على نفسه، فقتله، أعطي لواء الغدر يوم القيامة») رواه أحمد والنسائي والطواوي بإسنادٍ صحيح، وفي لفظٍ عند أحمد والطحاوي بإسنادٍ حسن: «من ائتمنه رجل على دمه فقتله، فأنا منه بريء، وإن كان المقتول كافراً»، وفي لفظٍ آخر عند عبدالرزاق في مصنفه: «أيما رجل أمَّن رجلاً على دمه، فقتله، فقد برئت من القاتل ذمةُ الله، وإن كان المقتول كافراً».
لعلَّك أيها الشاب المحب لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركت بمجرد النظر إلى هذا الحديث وما سبقه أن عمل هؤلاء مخالفٌ تماماً للنصوص، مخالف لعمل السلف رضي الله عنهم، فهذا مدعي النبوة المختار بن أبي عبيد الذي أجمع الناس على ردته وكفره، لا يقدم أحد كبار التابعين على قتله مع أنه قائم بالسيف على رأسه، لأجل أنه تربى على تحكيم نصوص الشرع لا العواطف، تربى على البعد عن الخيانة، ولو كان أحد أعضاء تنظيم القاعدة - فرضاً - قائماً على رأس المختار لقتله غدراً دون مبالاة، والعياذ بالله، كما فعلوا في الرياض من قتل من دخل بلادنا بأمانٍ على نفسه وماله. فماذا نقول لله تعالى؟ ماذا نقول للتاريخ عندما يسطرنا معشر المسلمين في عداد الغادرين؟ عذراً فمن فَعَلَ ذلك فقد برئنا إلى الله وإلى الناس منه ومن عمله.
أرأيت أخي الشاب كيف أن أولئك يتركون النصوص المحكمة ويتعلقون بالمتشابه بل بالوهم والتخمين. فأي وجه ارتباطٍ بين كون المشركين لا يبقون في جزيرة العرب وبين قتلهم بهذه الطريقة؟ أيُّ حق في قتل من أمَّنَهُ المسلمون أو واحدٌ من المسلمين؟ أيُّ حق في القتل غدراً؟ إن الجاهلين العرب في جاهليتهم أحسنُ مروءة وأوفى عهداً من هؤلاءِ، فالله المستعان.
أدعوك أخي الشاب لقراءة تفسير قوله تعالى: {إنَّ اللهّ يٍدّافٌعٍ عّنٌ الذٌينّ آمّنٍوا إنَّ اللّهّ لا يٍحٌبٍَ كٍلَّ خّوَّانُ كّفٍورُ } في كتاب «الجامع لأحكام القرآن» للإمام القرطبي المتوفى 671 هـ رحمه الله تعالى في 12/67 حيث يقول: روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكة أن يَقْتُلَ من أمكنه من الكفَّار وَيَغْتال ويَغْدِر ويحتال؛ فنزلت هذه الآية. فوعد فيها سبحانه بالمدافعة، ونهى أفصح نهيٍ عن الخيانة والغدر. أ.هـ.
اقرؤوا أيها الشباب هذا، وأكثروا من الارتباط بعلمائكم الكبار ومن هم على شاكلتهم من الطلبة الأقوياء، وهم كثر بحمد الله: مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الشيخ عبدالله الغديان، الشيخ محمد السبيل، الشيخ صالح الفوزان، الشيخ صالح آل الشيخ، الشيخ عبدالمحسن العبيكان، الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ، الشيخ عبدالمحسن العباد، وابنه الشيخ عبدالرزاق، الشيخ عبدالله القرعاوي، الشيخ عبدالله الركبان، وغيرهم كثير. اعتنوا وفقكم الله بالاجتهاد فيما تجدون أنفسكم تحسنه، فمن كان همه العبادة اجتهد فيها، ومن كان همه طلب العلم اجتهد فيه، ومن كان له تجارة أو عمل أحسن فيه وأتقنه.
فالقاعدة الشرعية السلوكية «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» يجب أن تكون نصب أعينكم، فمن خاض فيما لا يعنيه وقع في البلاء والشر، فالذي يتدخل في أمور العلماء وليس منهم يُضِر كثيراً ويُفسدُ أيما فسادٍ ذريع، والذي يتدخل في باب الوعظ والإرشاد وليس أهلاً، هو كذلك، والذي يتدخل في منصب الإمامة والولاية وليس هو من الأئمة والولاة، يُفسِد ويخرب، قال الحسن البصري رحمه الله: «من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شُغْلَهُ فيما لا يعنيه» وقال سهل بن عبدالله التستري: «من اشتغل بما لا يعنيه نال العدو منه حاجته».
أسأل الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين الحفظ من كيد كل كائد مبطل، والتوفيق لجمع كلمة المسلمين على الحق، وحماية بيضتهم من الصدع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نشرت في جريدة الجزيرة - الأحد 17 ربيع الاول 1424 - العدد 11189.