الانتصار للدعوة السلفية
والرد على من زعم أنها دخيلة على الأمة الجزائرية
والرد على من زعم أنها دخيلة على الأمة الجزائرية
كتبه:
أبو بكر يوسف لعويسي
أبو بكر يوسف لعويسي
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل : << .. ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه ، ومن رمى مسلما بما ليس فيه أسكنه الله رذغة الخبال يوم القيامة .. >> الحديث أخرجه أبو داود {ح/3098} والمنذري في الترغيب والترهيب [ج 3/ ص137][ح 3397]وأعاده في [ج3/ص333][ح/4310]وقال : رواه أبو داود واللفظ له ، والطبراني بإسناد جيد نحوه وزاد في آخره [ ليس بخارج ] ورواه الحاكم مطولا ومختصرا وقال : في كل منها صحيح الإسناد .والردغة بفتح الراء وسكون الدال المهملة ، وتحريكها أيضا ، وبالعين المعجمة هي: الوحل ، وردغة الخبال بفتح الخاء المعجمة والباء الموحدة هي: عصارة أهل النار أو عرقهم كما جاء مفسرا في صحيح مسلم وغيسره .أنتهى كلامه رخمه الله .وصلى اللهم وسلم على آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ص[2]
أما بعد : فقد اطلعت على ما نشرته جريدة الخبر اليومي الصادر يوم الخميس 13/ سبتمبر 2007 م / الموافق ل /01/رمضان 1428 هـ على صفحة الراهن تحت عنوان " الخبر " تستطلع المختصين في تنامي الظاهرة بالجزائر. " انتشار الوهابية سببه غياب مرجعية وطنية ودار للإفتاء" .. وهذه كلمة حق أريد بها باطل .وجاء في بعض كلام هؤلاء المؤتمرين أن السلفية وليدة ظروف وستزول بزوالها، وأنها دخيلة على هذه البلاد ، وأنها إمتداد للوهابية الحجازية ، وأن خطابها سطحي ظاهري ، والسبب في انتشارها غياب المرجعية الدينية ، وعدم وجود دار الإفتاء ، وضعف مستوى أئمة المساجد ، وتهميش الإطارات ذات المستوى الجامعي إلخ ...
ولي وقفات مع هؤلاء الذين شاركوا في تلك الندوة التي كانت سببا في نشر هذا المقال ، الذي أعلن أصحابه عما تنطوي عليه سرائرهم من الحقد الدفين اتجاه الدعوة السلفية ، شأنهم في ذلك شأن الكثير ممن أعلن الحرب على هذه الدعوة المباركة ، والتي تطالعنا الجرائد بين الفينة والأخرى بشيء من تلك الحرب العشواء،يريدون أن يطفئوا نور الحق ؛والله غالب على أمره ،ولا راد لقضائه ووعده ..
وأول تلك الوقفات: مع {م . منير} الذي أدار الندوة ؛وقيم أولئك المشاركين؛ وقدّرهم وقدمهم للأمة على أنهم أهل اختصاص في علوم الدين والشريعة ، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك لثلاثة أسباب ، يمكن أن يكون لها رابع وخامس..
السبب الأول : أن أقوالهم عارية عن أي حقيقة لدراسة هذه الظاهرة ، ولم يذكروا أي دليل أو مستند على الأسباب التي كانت وراء انتشار الفكر السلفي الوهابي – كما يسمونه – وإنما كل واحد
فيهم ذكر تحليلا من وجهة نظره الثقافية أو السياسية المتشبعة بالعصرنة ،والنزعة الاعتزلية العقلانية ، بعيدا عن الدراسة الاجتماعية ، والدينية ، والسياسية للحقبة التاريخية التي مرت بها الحركة الإسلامية في الجزائر إلى حد ظهور هذا التيار السلفي المبارك على يد طائفة من أهل العلم ..
السبب الثاني : مواقعهم العلمية من الشريعة ، فليس في التعريف بهم أحد يحفظ كتاب الله ، أو شيئا من كتب السنة ، وعلى رأسها موطأ مالك ، كماليس فيهم من يضبط أصول مذهب مالك - المذهب السائد في البلاد – فأهل الاختصاص في الدين والشريعة ؛ إنما يقدمون للناس على هذا الأساس ، وليس على تضحيم ألقاب – كماضخمت ألقابهم – بتقديمهم بشهادات عجفاء جوفاء من العلم الشرعي الصحيح . وقد أعطيت لبعضهم الخطابة فكانوا سببا في تنفير الناس من المساجد ، وكان بعضهم بوقا للدعوة الحزبية ، وبعضهم حاطب ليل يهرف بما لايعرف ، يجهلون فن الخطابة والوعظ وآداب المسجد، وقد استمعت لبعضهم فكان يأتي بالطوام العظام ، وجالست آخرين منهم ، فكان لايسحن الجلوس ..
فليعلم هؤلاء أن الشعب الجزائري السني أصبح يميز بين جميع التيارات العاملة في الساحة كما يميز بين من يعمل للإسلام ، وبين من يلهث وراء المناصب ، والرواتب ، وسياسة الأحزاب ..والزلفى لذوى السلطان والتقرب من الأبواب ، وليطمئنوا متيقنين أن القافلة تسير وأن وعد الله آت ..
ص[3]
السبب الثالث :
هؤلاء وإن كانوا يحملون تلك الشهادات فهي فارغة من العلوم الشرعية كما ذكرت ، والدليل على هذا أنه ليس فيهم من ألف كتابا في العلوم الشرعية وأخرجه للأمة لتنتفع به ، وليس فيهم من هو معروف لدى العام والخاص على أنه إمام ، أو محدث ، أو فقيه ، أو داعية ، أو مفتي ، وهذه آثار دعوته بارزة في المجتمع ، فأين ثمرة جهودهم الإصلاحية المقدمة للأمة في اختصاصهم المزعوم ..؟فلم نسمع ولم يشتهر عن أحدهم أن له برنامج دروس علمية ،وله طلاب وتلاميذ يحملون عنه الكفاءة العلمية المتخصص فيها ،فهؤلاء وللأسف الشديد ما تحصلوا على هذه الشهادات إلى من أجل الحصول على وظيفة من أجل الدنيا لا غير .. وأين كانت صيحات هؤلاء المصلحين الغيورين على بلادهم حين كانت بلادنا تحترق بنار الحزبيين والتكفريين المنشقين عن دعوة الإخوان المسلمين التي ينتسبون إليها ..؟ ولعل هؤلاء يجهلون أن الذي ساهم بنسبة كبيرة في توقيف النزيف الدموي طيلة العشرية السوداء ، وإقناع كثير من أفراد الجماعة الإسلامية المسلحة بل أغلبهم ، وأفراد من الجناح العسكري للإنقاذ بوضع السلاح هم علماء المنهج السلفي فحسب ..ولولا الله ثم أولئك العلماء الربانيون ما كان النزيف يتوقف ..
فهذه الأسباب وغيرها تبين لنا أن أصحاب هذه الأقوال في هذا المقال لا علاقة لهم بالشريعة ، والاعتدال ، وأنهم قُدموا للأمة من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم :<< المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور >> متفق عليه أنظر صحيح الجامع [ح 6551].
ص[4]
الوقفة الثانية : معهم جميعا ..
فأقول : في الوقت الذي تسعى فيه الدول والشعوب الإسلامية للم الشمل ، وتوحيد الصفوف وتضميد الجراح عن طريق الجامعة العربية ، والمجمع الفقهي الإسلامي ، والمؤتمر العالمي الإسلامي ، ورابطة العالم الإسلامي ، وجهود الخيرين من أبناء هذه الأمة التي وصفها الله بأنها أمة واحدة ، وربها واحد ، ونبيها واحد ، وكتابها واحد، بقوله تعالى : ]وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون [ وأمرها بالإعتصام بكتابها الواحد ، بقوله تعالى : ]واعتصموا بحبل الله جميعا ..[
ونهاها عن التفرق.].ولا تفرقوا [ كما نهاها عن الاختلاف بقوله: ] ولا تكونوا كالذين اختلفوا وتفرقوا من بعد ما جاءهم البينات ..[ في هذا الوقت الذي تكالبت فيه علينا الأعداء من كل حدب وصوب ،وتداعت علينا الأمم بكل قواها ؛ نجد من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ويهدون بغير هدي نبينا ، يفتّون في عضد هذه الأمة ويمزقونها{ أيدي سبأ }في هذه الظروف يطلع علينا هؤلاء المرجفون – وما أكثرهم في عصرنا – ليزيدوا الطين بلة ، والأمة فرقة ، ويحجموا سعة الإسلام حاملين الحقد والبغضاء – الحالقة – لإخوانهم في الدين والعقيدة الذين يسعون جاهدين لنشر المنهج الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فكم ابتلي المسلمون بمثل هؤلاء العقلانيين الذين تشبعوا بالغزو الفكري العلماني ، وسفسطة الحداثة العصرية ، بحجة الإسلام المعتدل الذي تنادي به أمريكا وأوروبا ، وهم في الحقيقة أبعد الناس عن الوسطية ، لأن الاعتدال عندهم هو ما يخدم مصالحهم ، ويوافق طرقهم ومناهجهم الحزبية ، وليس الوقوف عند قوله تعالى وهو يخاطب هذه الأمة : ] وكذلك جعلناكم أمة وسطا..[ أي عدلا .
ص[5]
ولست أدري أي اعتدال يقصدون من وراء هذا ، إن لم يكن التمسك بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته هو الوسطية والاعتدال ، فإن كان هناك اعتدال غير هذا فليبينوه لنا؛ وليصرحوا أن المنهج الذي كان عليه المصطفى وصحابته منهج متطرف لا يصلح لهذا الزمان ، كما يصرح به غيرهم من أعداء الإسلام ، فالمنهج السلفي يقوم على الأخذ بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة؛ وهو عين الوسطية التي أمرنا بالاتصاف بها ، والسير على منهجها والوقوف عند حدودها ، فقد قال تعالى : ] ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى و يتبع غير سبل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا [ وقال صلى الله عليه وسلم : << وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة >> وورد بلفظ << وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة ، ثنتان وسبعون في النار ، وواحدة في الجنة ، هي الجماعة >> أخرجه أبو داود، والترمذي ،وابن ماجة ، والإمام أحمد، وغيرهم أنظر السلسلة الصحيحة [ ج203 - 204] ونحن نقول لهؤلاء من منكم يستطيع أن يبين لنا سبيل المؤمنين الذي حذرنا الله من مخالفته ، ومن منكم يستطيع أن يبين لنا تلك الفرقة الواحدة الناجية من النار من بين تلك الفرق ..؟ فهل هناك فرقة غير تلك التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : << من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي >> مع قولنا آنفا أن الطائفة المعتدلة هي "النبي صلى اللع عليه وسلم وأصحابه " فهم خير القرون ، فالمنتسب إليهم منتسب إلى الخيرية ، والمقتدي بهم متطلع إلى المثالية ، إلى أكمل صفة طبق بها الإسلام ، فلم يعرف التاريخ تطبيقا صحيحا للإسلام مثل ما عرف في زمانهم ، فهذا هو سبيل المؤمنين الذي ينبغي أن نتبعه ، وغيره سبيل المجرمين الذي ينبغي أن نتحراه بقوله تعالى : ] ولتستبين سبيل المجرمين [ فنجتنبه ، ولكن من جهل شيئا عاداه .. ومن تكلم في غير فنه أتى بالغرائب والعجائب ، ومن تدخل فيما لا يعنيه سمع مالا يرضيه .
ص[6]
الوقفة الثالثة : المنهج السلفي هو وصل لحلقات المد الإسلامي عبر تاريخ هذه الأمة :
ولعل هؤلاء القوم لم يدرسوا التاريخ الإسلامي لهذه الأمة ، وكيف وصل المد الإسلامي من الجزيرة العربية إلى الشمال الإفريقي ، وكيف انتشر منهج الكتاب والسنة على أيدي الفاتحين من التابعين بقيادة أبي المهاجر دينار ، إلى أن استقر الحال على مذهب مالك السني السلفي إلى عهد الاستعمار
الفرنسي ، وكيف كانت تظهر بين الفينة والأخرى صيحات المصلحين المجددين هنا وهناك على هذه الأرض تنادي بالإصلاح منتهجة في ذلك المنهج السلفي؛داعية الأمة إلى التمسك بالدين الصحيح الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، محاربة للبدع والخرافات التي كانت تنخر في جسم الأمة يدعمها الإستعمار ، إلى أن جاء دور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والتي أبلت بلاء حسنا في إرسال قواعد الملة على المنهج السني الصريح ،ودعت المسلمين إلى الرجوع لدينهم الصحيح ، وقد استفادت كثيرا من تجارب ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأن الأسباب التي أدت إلى ظهور هاتين الدعوتين هي نفس الأمراض التي أصيبت بها الأمة هنا وهناك ، فإذا كان الفكر الوهابي السلفي دخيل على الجزائر على حد تعبير بعض هؤلاء السفسطائيين فنقول لهم : إن الإسلام وافد على هذه البلاد ، وإن مذهب مالك دخيل عليها كذلك لأنه قادم من الحجاز ، فانبذوهما وتمسكوا بأصالتكم البربرية .. أو بإخوانيتكم الدخيلة علينا من مصر أيضا..
وأيضا نقول لهم :إن أغلب العلماء وطلبة العلم الذين نقلوا مذهب مالك إلى إفريقيا ليسوا من هذا الوطن ، وإذا كان فيهم جزائري فإنه ممن سافر إلى مالك وأخذ عنه أو عن أصحابه ثم عاد إلى بلاده ،فأدخل عليهم ماجاء به .. أو أنه ممن سافر إلى القيروان قديما والزيتونة حديثا ثم رجع إلى بلاده عاملا بما تعلم داعيا إلى مذهب مالك .
كما نقول لهم : إن الديمقراطية دخيلة على بلادنا ، وأن أغلب هذه الحركات الفكرية سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية التي تنادي باستصلاح الأمم والشعوب وافدة علينا ،وما العولمة التي تنادي بعلمنة العالم عنا ببعيدة ..
ص[7]
وأيضا نقول لهم : إن معظم الكتب المعتدة في المذهب ليست جزائرية التأليف ، كالمدونة[1] لسحنون وهو قيرواني، والواضحة [2] وهي من تأليف عبد الملك بن حبيب الأندلسي .
------------------------
1 – المدونة : هي من الكتب المعتمدة في مذهب مالك ، وهي مسائل جمعها فقيه المغرب أبو سعيد عبد السلام بن حبيب بن حسان الحمصي الأصل المغربي القيرواني المالكي ، قاضي القيروان ، ويلقب ب [ سحنون ] المتوفى سنة [240 هـ ] والمدونة هي أسئلة سألها أسد بن الفرت بن القاسم ، بعضها سمعها من مالك وبعضها من كلام ابن القاسم وأصحاب مالك ، وسمعها سحنون من أسد بن الفرات ثم عرضها على ابن القاسم ، فأصلح فيها كثيرا وأسقط ، ثم رتبها سحنون وبروبها واحتج لكثير من مسائلها بالآثار من مروياته ، مع أن فيها أشياء لا ينهض دليلها بل رأي محض ، وحكوا أن سحنون في أو اخر الأمر علّم عليها ، وهم بإسقاطها وتهذيبها ، فأدركته المنية رحمه الله .أنظر ترتيب المدارك [ج2/585 – 625]والسير [ج12/63-69].
2 – الواضحة : وهي من تاليف فقيه الندلس ، أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي العباسي الأندلسي القرطبي المالكي ، المكتوفى [سنة 238هـ] وهي مسائل سمعها من عدد من أصحاب مالك قال القاضي عياض وهو يعدد كتب ابن حيبيب : ومنها الكتاب المسماة بالواضحة في السنن والفقه لم يؤلف مثله .أنظر ترتيب المدارك [ج3/30-48].
ص[8]
والعتبية وتسمى المستخرجة[1]،وسميت بالعتبية نسبة لمن جمعها وهو وهو محمد بن أحمد بن عبد العزيز الأموي العتبي القرطبي ، والموزاية [2]وهي من تأليف فقيه الديار المصرية ابن المواز الاسكندراني، والرسالة [3]لأبن أبي زيد القيرواني التونسي،والاستذكار لابن عبد البر الأندلسي.
------------------------
1 – العتبية : وهي مجموعة مسائل أيضا عن افمام مالم مسموعة من أصحابه ، وسميت بالعتبية نسبة إلى من جمع هذه المسائل وهو محمدبن أحمد بن عبد العزيز الأموي العتبي القرطبي المتوفى [سنة 255هـ] وقيل : سميت بالمستخرجة ، لأنه استخرجها من الواضحة ، وقد شرحها ابن رشد الجد – المتوفى [سنة 520] في كتاب سماه[[ البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة]] وهو مطبوع وقد نقد كتاب العتبية وجرحه بعض العلماء . قال محمد بن عبد الحكم : رأيت جلها كذبا . وقال ابن وضاح : وفي المستخرجة خطأ كثير .وقال ابن لبابة : أكثر فيها من الروايات المطروحة والمسائل الشاذة .وقال ابن حزم : لها بإفريقية القدر العالي .أنظر ترتيب المادرك [ج3/144-146]والسير [ج12335-336].
2 – الموازية :وهي من تأليف فقيه الديار المصرية أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن زياد الإسكندراني المالكي ، ابن المواز المتوفى [سنة 269هـ] قال القاضي عياض : وهو أجل كتاب ألفه قدماء المالكيين ، وأصحها مسائل ، وابسطها كلاما واوعبها .أنظر ترتيب المدارك [ج3/72-74]والسير [ج13/6] وأنظر مقدمة ابن خلدون في الكلام على هذه المؤلفات [ص449 -451].
3 - الرسالة : ابن أبي زيد القرواني ، وهي أشهر من أن تذكر .
ص[9]
وهكذا فإن جل فقهاء المالكية عيال على هذه الكتب في الفقه ، وكذلك القول في الحديث ، فإن الموطأ هو العمدة ، وصاحبه مدني وأصله من ذي أصبح ، وشروحه كثيرة ،أعظمها التمهيد لابن عبد البر النمري القرطبي ،والمنتقى للباجي ،ولم يذكر في تاريخ هذا البلد أنهم اتخذوا شرحا من شروح الموطأ عمدة ومرجعا لأحد أبناء هذا الوطن من العلماء الأفاضل الذين أخذوا عن مالك مباشرة ، أو عن أصحابه، سواء في المدينة، أو مصر، أو بغداد ،أوالقيروان، أو الأندلس،أو غيرها..لا يُخرج عنه؛ وإنما العمدة على شروح الموطأ المشهورة ؛وعلى العلماء المشهورين بالعلم والفضل والورع ليس إلا ..
ونقول لهم أيضا : فإن علماء وطلبة العلم المسلمين في كل زمان ومكان من جميع أنحاء المعمورة مازالوا يستفيدون من بعضهم البعض ، وينتفع بعضهم ببعض ، ويرحل بعضهم إلى بعض ، والدليل أن كثيرا من طلبة العلم من المغرب العربي رحلوا إلى مالك وأخذوا عنه وأعن أصحابه ، واستمرت الرحلة في طلب العلم إلى العلماء إلى يوم الناس هذا .. فلماذا هذا التهويل ، وهذا العويل ، وأهل الإسلام على اختلافهم بلادانهم ومشاربهم ، ومذاهبهم أمة واحدة كما وصفهم الله تعالى :{{ وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون }}ووصفهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم << مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الوحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرالجسد بالسهر والحمى >> متفق عليه .
ص[10]
فإذا تفرقت الأمة- أيدي سبأ- واختلفت على ثلاث وسبعين فرقة ، وأخذت كل طائفة بمنهج وسبيل – زعمت أنه الحق - فهذا ليس مسوغ لنا أن زيدها فرقة ، وتصدعا ، وخاصة ونحن نعلم أن الحق في الاجتماع؛ وليس في الافتراق، وأنه في الألفة ، والمحبة ، والأخوة ، والتراحم ، والتوادد والتقارب ، وأن هذا هو السبيل الذي أمرنا الله به ،طاعة الله وطاعة ورسوله ، واتباع ما جائنا به؛ بالفهم الصحيح الذي فهمته الفرقة الناجية في عصر الخيرية التي انتصر بها الإسلام؛حتى تتساقط الحدود ، وتنفجر السدود المملوءة بالحسد والحقد والبغضاء الحالقة.. ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
ونقول لهم أيضا : إن المذهب لم يكن معروفا ولا موجودا بين المسلمين في عصر الأئمة – أصحاب المذاهب – فمالك وغيره من أئمة الاجتهاد لم يكونوا يعرفون معنى المذهب ، وإنما كانوا ينشرون علم السنة وفقه الصحابة والتابعين ، ولذا قيل إن نسبة المذهب إلى صاحبه لا يخلو من تسامح ،فما كان مالك ولا غيره من أئمة المذاهب يدعون أحدا إلى التمسك بمنهجهم وفتاويهم في الاجتهاد ، بل كانوا يحثون أتباعهم على التمسك بالدليل من الكتاب والسنة ، ولا كان عندهم منهج محدد في اجتهادهم ، وإنما كانوا يتبعون في ذلك منهج من سبقهم من علماء التابعين وهؤلاء من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .أنظر حجة الله البالغة للدهلوي [ج1/438] ورفع الملام عن الأئمة العلام لشيخ الإسلام ابن تيمية .
ولم يحدث هذا التمذهب إلا في القرن الرابع الهجري ، عندما دعت الظروف إلى هذا النوع من الإلتزام بمنهاج معين في الفقه والتشريع ، ولم تكن المذاهب قد استقرت على رأس المائة الثالثة رغم ما قيل من أنه في هذا التاريخ كان قد بطل نحو من خمسمائة مذهب . أنظر كتاب اختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري [ص14].
ص[11]
ثم إن التمذهب بمذهب معين ليس من أصول الدين وقواعده الواجبة على المسلمين ، إنما الذي يجب أن يتبع هو كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، وإنما أئمة المذاهب مفسرون لما ورد في الأصلين ، مستنبطون منهما الأحكام ، تسهيلا للناس على ما لم يستطيعوا فهمه منهما ،فالذي يقلدمالكا إنما يقلد في الحقيقة ما فهمه مالك من النصوص في الكتاب والسنة . محاضرات في تاريخ المذهب المالكي [ ص7-8 ] لعمر الجيدي .
قلت : وهذا الذي قاله الجيدي يختص بالعوام في المسائل الدقيقة ، والمشتبهات ، وإلا فالحلال بين والحرام بيّن ... وعلى من كان من أهل العربية أن يفهم الخطاب كما فهمه أهل اللسان الأوائل الذين نزل القرآن بلغتهم ، فإنه نزل بلسان عربي مبين أي فصيح وليس بألغاز لايفهمها إلا خواص الناس.فالأحكام التي وقع إجماع الأمة عليها استنادا إلى ما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لاتختص بمذهب دون آخر ، ولا بعالم دون غيره ، وإنما هي سنة وطريقة ماضية لكل المسلمين ؛ فلا اجتهاد فيها ولا تمذهب ، ولا تقليد . فلا يقال مثلا : وجوب الصلوات الخمس هو مذهب مالك وعلى هذا لا يقال هذا مذهب مالك إلا فيما يختص به من اجتهادات قد يصيب فيها وقد يخطئ ؛ فإذا أخطأ وانتقده مجتهد آخر في زمانه أو بعده فكيف تسوغون تقليده فيما أخطأ فيه وتلزمون الناس بذلك ؟؟ وتجعلون ذلك هو المرجعية التي تدين بها الأمة .
يتبع إن شاء الله ... الجزء الثاني والثالث .
تعليق