نقلا من كتاب : الردود السلفية على شبهات الحاكمية.
المؤلف: أ.د. طلعت عبد الرازق زهران.
نبذة عن الكتاب :يتحدث هذا الكتاب علي قضية الحكم بغير ما أنزل الله ورد شبهات كل من كفر الحكام بغير دليل من الكتاب والسنه بفهم سلف الأمة.
الموقع الإلكتروني: www.rahek.com
وصلة تنزيل الكتاب : مــــن هــــــنـــــا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد:
أخواني في الله: كما وعدتكم في المشاركة السابقة "الردود السلفية على شبهات الحاكمية"
تجدون في هذا الموضوع إن شاء الله ست عشرة شبهة للتكفيريين والردود عليها بالأدلة.
وهي نافعة بحول الله وقوته لمن أراد الحق خصوصا مع من تسموا زورا وبهتانا بالدعوة السلفية "بالإسكندرية" ومن تبعهم؛ تعصبا لهم أو تغريرا.
فلم يبق لهم حجة بعد هذا إن شاء الله. فليعرف الحق من جهله منهم وليبهت من عاند منهم. هدانا الله وإياهم، وبصرنا وإياهم، وردهم الى سبيل الرشاد.
أعاذنا الله وإياكم من بدع الخوارج ومن أهلها وحزبياتهم المقيتة.
الترتيب في هذا الموضوع
وهو قوله: "كفر دون كفر". وفي رواية: "ليس الكفر الذي تذهيون إليه"
ورواية: "ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه".؟
لأن نفرا طعنوا قيه، فقالوا: هذا الأثر الوارد ضعيف بجميع رواياته، بألفاظها المختلفة؟؟
الرد عليها:
قال أحمد شاكر: خبر طاوس عن ابن عباس، رواه الحاكم في المستدرك (2: 313) من طريق سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس، عن ابن عباس: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرًا ينقل عنه الملة".
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، كفر دون الكفر"، هذا لفظه، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: "صحيح".
وقال العلامة ابن عثيمين في "التحذير من فتنة التكفير"[1]:
لكن لما كان هذا الأثر لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير؛ صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول! ولا يصح عن ابن عباس! فيقال لهم: كيف لا يصحّ؛ وقد تلقاه من هو أكبر منكم، وأفضل، وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل!!. فيكفينا أن علماء جهابذة؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم – وغيرهما – كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به، وينقلونه؛ فالأثر صحيح.
أما القول إنها مدرجة من كلام ابن طاووس، فهل كان ابن طاووس مرجئيا، أو غير معلوم حاله، على الرغم من كونه أحد التلاميذ الكبار لمدارس الصحابة!!؟
أو بعبارة أخرى، هل يُعقل أنه كان مجهول الحال، إلى هذا الحد، عند من عاصره من علماء وأكابر الصحابة....؟؟؟؟؟. أما قول من قال: " الرواية الصحيحة الثابتة هي رواية عبد الرزاق المطلقة التي تقرر (هي به كفر) "، فإن قول ابن عباس: "كفر دون كفر"، لا يختلف عن قوله: "هي به كفر". وكلاهما يقصد به مثل ما قاله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان فى الناس هما بهم كفر: الطعن فى النسب، والنياحة على الميت ". صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله: " من قال مطرنا بنؤ كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب " وقوله: " لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وعجبا للشيخ العلوان كيف جازف بالحكم على قول ابن عباس بالنكارة، وهو قول السلف جميعا وهو ماعليه أهل السنة كما نقله شيخ الاسلام عن الإمام البخاري وأقره عليه.
فإن كان الأمر متعلقا بالإسناد، فالرواية شاذة على أسوأ الأحوال وليست منكرة.
ولكنها صحيحة؛ لأنها متلقاة بالقبول، كما يدل عليه كلام شيخ الاسلام، رحمه الله.
وهذا تخريج العلامة المحدث الشيخ ناصر الألباني، رحمه الله، لأثر ابن عباس:
2552- إن الله عز وجل أنزل: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } و{ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } و{فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ المائدة}
قال ابن عباس: (أنزلها الله في الطائفتين من اليهود...... الحديث
أخرجه أحمد (1/246) والطبراني في (المعجم الكبير) (3/95/1) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: فذكره. وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (2/281) لأبي داود أيضا وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس، وهو عند ابن جرير في (التفسير) (12037ج10/352) من هذا الوجه، لكنه لم يذكر في إسناده ابن عباس.
وعند أبي داود (3576) نزول الآيات الثلاث في اليهود خاصة في قريظة والنضير. فقط خلافا لما يوهمه قول ابن كثير في التفسير (6/160) بعد ما ساق رواية أحمد هذه المطولة: (ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه نحوه)!
وقد نقل عن صاحب (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) أنه حسن إسناده. ولم أر هذا في كتابه: (التفسير) فلعله في بعض كتبه الأخرى. وتحسين هذا الإسناد هو الذي تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف، فإن مداره على عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو كما قال الحافظ: صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها).
فقول الهيثمي (7/16): (رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجال أحمد ثقات).
قلت: فقوله فيه: (ضعيف، وقد وثّق) ليس بجيد؛ لأنه يرجح قول من ضعفه على قول من وثقه، والحق أنه وسط، وأنه حسن الحديث؛ إلا أن يخالف، وهذا مما لا يستفاد من قوله المذكور فيه. والله أعلم.
1- روى ابن جرير الطبري (10/355/12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله.
2- وفي رواية عنه في هذه الآية: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، كفر دون كفر.
أخرجه الحاكم (2/313)، وقال: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي، وحقهما أن يقولا: على شرط الشيخين، فإن إسناده كذلك.
ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في تفسيره (6/163) عن الحاكم أنه قال: (صحيح على شرط الشيخين) فالظاهر أن في نسخة (المستدرك) المطبوعة سقطا، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار.
3- وفي أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من جحد ماأنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه ابن جرير (12063)
قلت: وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، لكنه جيد في الشواهد.
4- ثم روى (12047-12051)عن عطاء بن أبي رباح قوله: (وذكر الآيات الثلاث): كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وإسناده صحيح.
5- ثم روى (12052)عن سعيد المكي عن طاووس (وذكر الآية)، قال: ليس بكفر ينقل عن الملة. وإسناده صحيح، وسعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وغيرهم، وروى عنه جمع.
6- وروى (12025،12026) من طريقين عن عمران بن حدير قال: أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس (وفي الطريق الأخرى: نفر من الإباضية)
فقالوا: أرأيت قول الله: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أحق هو؟ قال: نعم.
قالوا: :{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أحق هو؟ قال نعم.
فقالوا: ياأبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون وإليه يدعون ـ [ يعني الأمراء ] ـ فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله، ولكنك تفرق.
قال: أنتم أولى بهذا مني ! لا أرى، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تَحَرّجون، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك. أو نحوا من هذا، وإسناده صحيح.
وجملة القول؛ أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله. فمن شاركهم في الجحد، فهو كافر كفرا اعتقاديا. ومن لم يشاركهم في الجحد، فكفره عملي؛ لأنه عمل عملهم، فهو بذلك مجرم آثم، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة، كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه. وقد شرح هذا وزاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام في (كتاب الإيمان) (باب الخروج من الإيمان بالمعاصي) (ص 84-97 بتحقيقي)، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق.
وبعد كتابة ماسبق، رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في مجموع الفتاوى (3/26: (أي هو المستحل للحكم بغير ماأنزل الله)
ثم ذكر (7/254) أن الإمام أحمد سُئل عن الكفر المذكور فيها؟ فقال: كفر لا ينقل عن الإيمان، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يُختلف فيه. وقال (7/312): (وإن كان من قول السلف إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم إنه يكون فيه إيمان وكفر؛ ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس، وأصحابه، في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قالوا: كفر لا ينقل عن الملة. وقد اتبعهم على ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة[2].اهـ
وقال الشيخ الألباني، رحمه الله، أيضا:
تفسير آيات (ومن لم يحكم بما أنزل الله …) وأنها في الكفار
2704- قوله: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } و{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } و{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ المائدة}، قال: وهي في الكفار كلها.
أخرجه أحمد (4/286): ثنا أبو معاوية: ثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث دليل صريح في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث الكفار من اليهود والنصارى؛ وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية وأحكامها، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك؛ ولو كان يتظاهر بالإسلام، حتى ولو أنكر حكما واحدا منها. ولكن مما ينبغي التنبه له، أنه ليس كذلك من لا يحكم بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر وخروجه عن الملة؛ لأنه مؤمن، غاية مافي الأمر أن يكون كفره كفرا عمليا. وهذه نقطة هامة في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام، ولذلك فهم في كثير من الأحيان يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام، فتقع فتن كثيرة، وسفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تعد له عدته،
الواجب عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة، والأحكام العاطلة، والآراء الكاسدة المخالفة للسنة، وتربية الجيل على هذا الإسلام المصفى، والله المستعان. ا.هـ
وبهذا ينتهي النقل عن محدث العصر الإمام العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وبه نعرف ضلال من قال إن علماء السوء هم الذين يقولون الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر؛ لأنه بهذا يجعل أئمة العصر ابن باز وابن عثيمين والألباني، وقبلهما ابن إبراهيم وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة من علماء السوء، بل يجعل ابن عباس من علماء السوء عياذا بالله.
__________________________________________________
[1] (ص 6
[2] السلسلة الصحيحة المجلد السادس القسم الأول ص109-116
المؤلف: أ.د. طلعت عبد الرازق زهران.
نبذة عن الكتاب :يتحدث هذا الكتاب علي قضية الحكم بغير ما أنزل الله ورد شبهات كل من كفر الحكام بغير دليل من الكتاب والسنه بفهم سلف الأمة.
الموقع الإلكتروني: www.rahek.com
وصلة تنزيل الكتاب : مــــن هــــــنـــــا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد:
أخواني في الله: كما وعدتكم في المشاركة السابقة "الردود السلفية على شبهات الحاكمية"
تجدون في هذا الموضوع إن شاء الله ست عشرة شبهة للتكفيريين والردود عليها بالأدلة.
وهي نافعة بحول الله وقوته لمن أراد الحق خصوصا مع من تسموا زورا وبهتانا بالدعوة السلفية "بالإسكندرية" ومن تبعهم؛ تعصبا لهم أو تغريرا.
فلم يبق لهم حجة بعد هذا إن شاء الله. فليعرف الحق من جهله منهم وليبهت من عاند منهم. هدانا الله وإياهم، وبصرنا وإياهم، وردهم الى سبيل الرشاد.
أعاذنا الله وإياكم من بدع الخوارج ومن أهلها وحزبياتهم المقيتة.
الترتيب في هذا الموضوع
- الشبهة الأولى:ضعف الأثر
- الشبهة الثانية: لابن عباس مخالف
- الشبهة الثالثةً: قصد ابن عباس
- الشبهة الرابعة: الإجماع الذي ذكره إسحاق
- الشبهة الخامسة: الأصل في الكفر، إذا عُرّف باللام أنه الكفر الأكبر
- الشبهة السادسة: (الياسق)
- الشبهة السابعة: سبب النزول
- الشبهة الثامنة: التشريع العام
- الشبهة التاسعة: الله أقسم بذاته العلية على نفي إيمان من لم يحكم بالشرع!!
- الشبهة العاشرة: يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ
- الشبهة الحادية عشر: التشريع والتبديل
- الشبهة الثانية عشر: التبديل
- الشبهة الثالثة عشرة:ترك الانقياد
- الشبهة الرابعة عشرة:الاستحلال
- الشبهة الخامسة عشرة: الصلح مع اليهود
- الشبهة السادسة عشرة: الموالاة
- خلاصة لكل ما سبق
الشبهة الأولى:ضعف الأثر
سؤال:هل صح أثر ابن عباس، رضي الله عنهما:
سؤال:هل صح أثر ابن عباس، رضي الله عنهما:
وهو قوله: "كفر دون كفر". وفي رواية: "ليس الكفر الذي تذهيون إليه"
ورواية: "ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه".؟
لأن نفرا طعنوا قيه، فقالوا: هذا الأثر الوارد ضعيف بجميع رواياته، بألفاظها المختلفة؟؟
الرد عليها:
قال أحمد شاكر: خبر طاوس عن ابن عباس، رواه الحاكم في المستدرك (2: 313) من طريق سفيان بن عيينة، عن هشام بن حجير، عن طاوس، عن ابن عباس: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرًا ينقل عنه الملة".
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، كفر دون الكفر"، هذا لفظه، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقال الذهبي: "صحيح".
وقال العلامة ابن عثيمين في "التحذير من فتنة التكفير"[1]:
لكن لما كان هذا الأثر لا يرضي هؤلاء المفتونين بالتكفير؛ صاروا يقولون: هذا الأثر غير مقبول! ولا يصح عن ابن عباس! فيقال لهم: كيف لا يصحّ؛ وقد تلقاه من هو أكبر منكم، وأفضل، وأعلم بالحديث؟! وتقولون: لا نقبل!!. فيكفينا أن علماء جهابذة؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم – وغيرهما – كلهم تلقوه بالقبول ويتكلمون به، وينقلونه؛ فالأثر صحيح.
أما القول إنها مدرجة من كلام ابن طاووس، فهل كان ابن طاووس مرجئيا، أو غير معلوم حاله، على الرغم من كونه أحد التلاميذ الكبار لمدارس الصحابة!!؟
أو بعبارة أخرى، هل يُعقل أنه كان مجهول الحال، إلى هذا الحد، عند من عاصره من علماء وأكابر الصحابة....؟؟؟؟؟. أما قول من قال: " الرواية الصحيحة الثابتة هي رواية عبد الرزاق المطلقة التي تقرر (هي به كفر) "، فإن قول ابن عباس: "كفر دون كفر"، لا يختلف عن قوله: "هي به كفر". وكلاهما يقصد به مثل ما قاله صلى الله عليه وسلم: " اثنتان فى الناس هما بهم كفر: الطعن فى النسب، والنياحة على الميت ". صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقوله: " من قال مطرنا بنؤ كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب " وقوله: " لا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وعجبا للشيخ العلوان كيف جازف بالحكم على قول ابن عباس بالنكارة، وهو قول السلف جميعا وهو ماعليه أهل السنة كما نقله شيخ الاسلام عن الإمام البخاري وأقره عليه.
فإن كان الأمر متعلقا بالإسناد، فالرواية شاذة على أسوأ الأحوال وليست منكرة.
ولكنها صحيحة؛ لأنها متلقاة بالقبول، كما يدل عليه كلام شيخ الاسلام، رحمه الله.
وهذا تخريج العلامة المحدث الشيخ ناصر الألباني، رحمه الله، لأثر ابن عباس:
2552- إن الله عز وجل أنزل: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } و{ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } و{فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ المائدة}
قال ابن عباس: (أنزلها الله في الطائفتين من اليهود...... الحديث
أخرجه أحمد (1/246) والطبراني في (المعجم الكبير) (3/95/1) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس قال: فذكره. وعزاه السيوطي في (الدر المنثور) (2/281) لأبي داود أيضا وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس، وهو عند ابن جرير في (التفسير) (12037ج10/352) من هذا الوجه، لكنه لم يذكر في إسناده ابن عباس.
وعند أبي داود (3576) نزول الآيات الثلاث في اليهود خاصة في قريظة والنضير. فقط خلافا لما يوهمه قول ابن كثير في التفسير (6/160) بعد ما ساق رواية أحمد هذه المطولة: (ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه نحوه)!
وقد نقل عن صاحب (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) أنه حسن إسناده. ولم أر هذا في كتابه: (التفسير) فلعله في بعض كتبه الأخرى. وتحسين هذا الإسناد هو الذي تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف، فإن مداره على عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو كما قال الحافظ: صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها).
فقول الهيثمي (7/16): (رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجال أحمد ثقات).
قلت: فقوله فيه: (ضعيف، وقد وثّق) ليس بجيد؛ لأنه يرجح قول من ضعفه على قول من وثقه، والحق أنه وسط، وأنه حسن الحديث؛ إلا أن يخالف، وهذا مما لا يستفاد من قوله المذكور فيه. والله أعلم.
1- روى ابن جرير الطبري (10/355/12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله.
2- وفي رواية عنه في هذه الآية: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، كفر دون كفر.
أخرجه الحاكم (2/313)، وقال: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي، وحقهما أن يقولا: على شرط الشيخين، فإن إسناده كذلك.
ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في تفسيره (6/163) عن الحاكم أنه قال: (صحيح على شرط الشيخين) فالظاهر أن في نسخة (المستدرك) المطبوعة سقطا، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار.
3- وفي أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من جحد ماأنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه ابن جرير (12063)
قلت: وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، لكنه جيد في الشواهد.
4- ثم روى (12047-12051)عن عطاء بن أبي رباح قوله: (وذكر الآيات الثلاث): كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وإسناده صحيح.
5- ثم روى (12052)عن سعيد المكي عن طاووس (وذكر الآية)، قال: ليس بكفر ينقل عن الملة. وإسناده صحيح، وسعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وغيرهم، وروى عنه جمع.
6- وروى (12025،12026) من طريقين عن عمران بن حدير قال: أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس (وفي الطريق الأخرى: نفر من الإباضية)
فقالوا: أرأيت قول الله: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أحق هو؟ قال: نعم.
قالوا: :{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} أحق هو؟ قال نعم.
فقالوا: ياأبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون وإليه يدعون ـ [ يعني الأمراء ] ـ فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله، ولكنك تفرق.
قال: أنتم أولى بهذا مني ! لا أرى، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تَحَرّجون، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك. أو نحوا من هذا، وإسناده صحيح.
وجملة القول؛ أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله. فمن شاركهم في الجحد، فهو كافر كفرا اعتقاديا. ومن لم يشاركهم في الجحد، فكفره عملي؛ لأنه عمل عملهم، فهو بذلك مجرم آثم، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة، كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه. وقد شرح هذا وزاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام في (كتاب الإيمان) (باب الخروج من الإيمان بالمعاصي) (ص 84-97 بتحقيقي)، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق.
وبعد كتابة ماسبق، رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في مجموع الفتاوى (3/26: (أي هو المستحل للحكم بغير ماأنزل الله)
ثم ذكر (7/254) أن الإمام أحمد سُئل عن الكفر المذكور فيها؟ فقال: كفر لا ينقل عن الإيمان، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يُختلف فيه. وقال (7/312): (وإن كان من قول السلف إن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم إنه يكون فيه إيمان وكفر؛ ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس، وأصحابه، في قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قالوا: كفر لا ينقل عن الملة. وقد اتبعهم على ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة[2].اهـ
وقال الشيخ الألباني، رحمه الله، أيضا:
تفسير آيات (ومن لم يحكم بما أنزل الله …) وأنها في الكفار
2704- قوله: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } و{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } و{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ المائدة}، قال: وهي في الكفار كلها.
أخرجه أحمد (4/286): ثنا أبو معاوية: ثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم، قوله: …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث دليل صريح في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث الكفار من اليهود والنصارى؛ وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية وأحكامها، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك؛ ولو كان يتظاهر بالإسلام، حتى ولو أنكر حكما واحدا منها. ولكن مما ينبغي التنبه له، أنه ليس كذلك من لا يحكم بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر وخروجه عن الملة؛ لأنه مؤمن، غاية مافي الأمر أن يكون كفره كفرا عمليا. وهذه نقطة هامة في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام، ولذلك فهم في كثير من الأحيان يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام، فتقع فتن كثيرة، وسفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تعد له عدته،
الواجب عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة، والأحكام العاطلة، والآراء الكاسدة المخالفة للسنة، وتربية الجيل على هذا الإسلام المصفى، والله المستعان. ا.هـ
وبهذا ينتهي النقل عن محدث العصر الإمام العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله وبه نعرف ضلال من قال إن علماء السوء هم الذين يقولون الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر؛ لأنه بهذا يجعل أئمة العصر ابن باز وابن عثيمين والألباني، وقبلهما ابن إبراهيم وغيرهم من علماء أهل السنة والجماعة من علماء السوء، بل يجعل ابن عباس من علماء السوء عياذا بالله.
__________________________________________________
[1] (ص 6
[2] السلسلة الصحيحة المجلد السادس القسم الأول ص109-116
تعليق