الجمع بين صلاة الجمعة و صلاة العصر من المسائل المختَلف فيها بين أهل العلم، و القول الصحيح [1] أنه يجوز للمسافر إذا صلى الجمعة أن يجمع معها صلاة العصر، وهو قول عند الشافعية وصححه السيوطي واعتمده الزركشي وأفتى به الرملي [2]، وبه قال الألباني و شيخنا صالح اللحيدان ووصي الله عباس
١. قال النووي -رحمه الله- : (( يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر للمطر )) [3].
قال تقي الدين محمد الحسيني الشافعي -رحمه الله-: (( وكما يجوز الجمع بين الظهر والعصر يجوز الجمع بين الجمعة والعصر)) [4].
وجاء في "حاشية البجيرمي على الخطيب": (( ويجوز للحاضر في المطر أن يجمع ما يجمع بالسفر ولو جمعة مع العصر في وقت الأولى منهما )) [5].
ولابن القاسم -رحمه الله- من المالكية كلام قد يدل على شيء مقارب لقول الشافعية، فقد سئل :
(( أرأيت لو أن إماماً لم يصل بالناس الجمعة حتى دخل وقت العصر ؟
قال : يصلي بهم الجمعة ما لم تغب الشمس، وإن لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب )) [6].
فمفهوم كلام ابن القاسم -رحمه الله- أنه إذا صلى الجمعة بعد دخول وقت العصر فإنه سيصلي بعدها العصر، وهذه صورة من صور الجمع بينهما.
٢. إن صلاة الجمعة تتفق مع صلاة الظهر في مسائل كثيرة، ومنها باب الأعذار؛ فإن الجمعة كالظهر في الأعذار التي تبيح التخلف عنهما، زيادة على ذلك أن الجمعة لا تجب في حق المسافر على القول الراجح، [ لمزيد من الفائدة أنظر ( ص ٢٠٥-٢٠٨ )] و تسقط حتى على المقيم إذا كان في يوم مطير، وينتج عن هذا الإلزام إلحاق الجمعة بها في الحكم ولا يختلف هذا عن ذاك، ويؤيده ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: (( إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة، قل : صلوا في بيوتكم قال : فكأن الناس استنكروا ذلك فقال : أتعجبون من ذا ؟ قد فعل ذا من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض)) [7] والسياق لمسلم ، وفي رواية له : (( أذن مؤذن ابن عباس يوم جمعة في يوم مطير...)) [8]
و عن أبي المليح عن أبيه -رضي الله عنه- أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة، وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم ، فأمرهم أن يصلوا في رحالهم. [9]
٣. إن الشارع لا يفرّق بين المتماثلات ، كما أنه لا يجمع بين المختلفات، فما الفرق بين جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر، وجمع صلاة الظهر مع صلاة العصر إذا استويا في الحاجة إلى الجمع بين الصلاتين ؟
٤. ولعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع في الحضر من غير سفر ولا مطر قال: (( أراد ألا يحرج أمته ))، فدلَّ على أن علَّة الجمع هي رفع الحرج و المشقة .
٥. إن قياس صلاة على صلاة في رخصة واحدة أولى من قياس رخصة على رخصة في صلاة واحدة ؛ إذ لا فرق بين عصر يوم السبت والخميس ، وبين عصر يوم الجمعة، ثم إن الذين لم يجوّزوا الجمع بين الجمعة والعصر للمسافر أو المقيم الذي يحتاج إلى الجمع، نلزمهم بوجود المشقة في الظهرين كما هو الحاصل في العشاءين، ولا شك أن الأصل جواز الجمع بين كل صلاتين مشتركتي الوقت ، وتبقى المسألة على الأصل أنه يجوز جمع العصر مع صلاة الجمعة ، والتفريق في الجمع بين عصر يوم الجمعة مع صلاة الجمعة وبين غيرها من الأيام يحتاج إلى دليل، و ليس ثمة دليل، فتنبه.
📖 الجامع لأحكام السفر في ضوء الكتاب والسنة(٣١٠-٣١٣ )
----------------------------------------
الحواشي :
[1] سألت شيخنا وصي الله عباس ، و محمد علي آدم الأثيوبي ـ حفظهما الله ـ عن القول الراجح في هذه المسألة، فأجابا بأنه جواز جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر
[2] "أسنى المطالب" (1/242)، و"شرح البهجة" (1/454)،و" المنهاج القويم"( 1/233)، و"الأشباه والنظائر"( 163"،و" البحر المحيط" (7/7،و" فتاوى الرملي "(1 /273).
[3] "روضة الطالبين وعمدة المفتين "(1 / 502 )، وانظر : "المجموع" ( 4 / 237 ) و"البيان" ( 2 / 494 ) )، و"تحفة المحتاج" للهيثمي ( 2 / 294 )، و"نهاية المحتاج" ( 2 / 280 ).
ومذهب الشافعية هو جواز جمع الجمعة مع العصر جمع تقديم لا تأخير، ومذهبهم هو جواز الجمع سواء لمطر كما ذكر النووي، أو للسفر كما ذكر الأنصاري في "أسنى المطالب"، وكما في" شرح البهجة."
[4]"كفاية الأخيار" لتقي الدين الشافعي الدمشقي ( ص140).
[5] "حاشية البجيرمي "(1/370).
[6] "المدونة" ( 1 / 239 )، وانظر "التمهيد "( 8 / 71)، وانظر : "مواهب الجليل شرح خليل للحطاب" (1 / 381 – 386)، و"الشرح الكبير" للدردير (117 - 184/ 1)، و"الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني" للنفراوي (1/166 ).
[7] الدَّحض: بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة ، ويجوز فتحها ، هو الزلق . "الفتح" ( 2 / 384).
[8] صحيح البخاري ( 2 / 313 )
[9] أخرجه أبو داود (1059 )، والحاكم (1/431)، والبيهقي في " سننه " (3/186)، و ابن خزيمة (1863)، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود "( 1059) ، وانظر " تمام المنة " ( ص 330).
١. قال النووي -رحمه الله- : (( يجوز الجمع بين صلاة الجمعة والعصر للمطر )) [3].
قال تقي الدين محمد الحسيني الشافعي -رحمه الله-: (( وكما يجوز الجمع بين الظهر والعصر يجوز الجمع بين الجمعة والعصر)) [4].
وجاء في "حاشية البجيرمي على الخطيب": (( ويجوز للحاضر في المطر أن يجمع ما يجمع بالسفر ولو جمعة مع العصر في وقت الأولى منهما )) [5].
ولابن القاسم -رحمه الله- من المالكية كلام قد يدل على شيء مقارب لقول الشافعية، فقد سئل :
(( أرأيت لو أن إماماً لم يصل بالناس الجمعة حتى دخل وقت العصر ؟
قال : يصلي بهم الجمعة ما لم تغب الشمس، وإن لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب )) [6].
فمفهوم كلام ابن القاسم -رحمه الله- أنه إذا صلى الجمعة بعد دخول وقت العصر فإنه سيصلي بعدها العصر، وهذه صورة من صور الجمع بينهما.
٢. إن صلاة الجمعة تتفق مع صلاة الظهر في مسائل كثيرة، ومنها باب الأعذار؛ فإن الجمعة كالظهر في الأعذار التي تبيح التخلف عنهما، زيادة على ذلك أن الجمعة لا تجب في حق المسافر على القول الراجح، [ لمزيد من الفائدة أنظر ( ص ٢٠٥-٢٠٨ )] و تسقط حتى على المقيم إذا كان في يوم مطير، وينتج عن هذا الإلزام إلحاق الجمعة بها في الحكم ولا يختلف هذا عن ذاك، ويؤيده ما ثبت عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: (( إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة، قل : صلوا في بيوتكم قال : فكأن الناس استنكروا ذلك فقال : أتعجبون من ذا ؟ قد فعل ذا من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والدحض)) [7] والسياق لمسلم ، وفي رواية له : (( أذن مؤذن ابن عباس يوم جمعة في يوم مطير...)) [8]
و عن أبي المليح عن أبيه -رضي الله عنه- أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في يوم جمعة، وأصابهم مطر لم تبتل أسفل نعالهم ، فأمرهم أن يصلوا في رحالهم. [9]
٣. إن الشارع لا يفرّق بين المتماثلات ، كما أنه لا يجمع بين المختلفات، فما الفرق بين جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر، وجمع صلاة الظهر مع صلاة العصر إذا استويا في الحاجة إلى الجمع بين الصلاتين ؟
٤. ولعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم لما جمع في الحضر من غير سفر ولا مطر قال: (( أراد ألا يحرج أمته ))، فدلَّ على أن علَّة الجمع هي رفع الحرج و المشقة .
٥. إن قياس صلاة على صلاة في رخصة واحدة أولى من قياس رخصة على رخصة في صلاة واحدة ؛ إذ لا فرق بين عصر يوم السبت والخميس ، وبين عصر يوم الجمعة، ثم إن الذين لم يجوّزوا الجمع بين الجمعة والعصر للمسافر أو المقيم الذي يحتاج إلى الجمع، نلزمهم بوجود المشقة في الظهرين كما هو الحاصل في العشاءين، ولا شك أن الأصل جواز الجمع بين كل صلاتين مشتركتي الوقت ، وتبقى المسألة على الأصل أنه يجوز جمع العصر مع صلاة الجمعة ، والتفريق في الجمع بين عصر يوم الجمعة مع صلاة الجمعة وبين غيرها من الأيام يحتاج إلى دليل، و ليس ثمة دليل، فتنبه.
📖 الجامع لأحكام السفر في ضوء الكتاب والسنة(٣١٠-٣١٣ )
----------------------------------------
الحواشي :
[1] سألت شيخنا وصي الله عباس ، و محمد علي آدم الأثيوبي ـ حفظهما الله ـ عن القول الراجح في هذه المسألة، فأجابا بأنه جواز جمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر
[2] "أسنى المطالب" (1/242)، و"شرح البهجة" (1/454)،و" المنهاج القويم"( 1/233)، و"الأشباه والنظائر"( 163"،و" البحر المحيط" (7/7،و" فتاوى الرملي "(1 /273).
[3] "روضة الطالبين وعمدة المفتين "(1 / 502 )، وانظر : "المجموع" ( 4 / 237 ) و"البيان" ( 2 / 494 ) )، و"تحفة المحتاج" للهيثمي ( 2 / 294 )، و"نهاية المحتاج" ( 2 / 280 ).
ومذهب الشافعية هو جواز جمع الجمعة مع العصر جمع تقديم لا تأخير، ومذهبهم هو جواز الجمع سواء لمطر كما ذكر النووي، أو للسفر كما ذكر الأنصاري في "أسنى المطالب"، وكما في" شرح البهجة."
[4]"كفاية الأخيار" لتقي الدين الشافعي الدمشقي ( ص140).
[5] "حاشية البجيرمي "(1/370).
[6] "المدونة" ( 1 / 239 )، وانظر "التمهيد "( 8 / 71)، وانظر : "مواهب الجليل شرح خليل للحطاب" (1 / 381 – 386)، و"الشرح الكبير" للدردير (117 - 184/ 1)، و"الفواكه الدواني شرح رسالة أبي زيد القيرواني" للنفراوي (1/166 ).
[7] الدَّحض: بفتح الدال المهملة وسكون الحاء المهملة ، ويجوز فتحها ، هو الزلق . "الفتح" ( 2 / 384).
[8] صحيح البخاري ( 2 / 313 )
[9] أخرجه أبو داود (1059 )، والحاكم (1/431)، والبيهقي في " سننه " (3/186)، و ابن خزيمة (1863)، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود "( 1059) ، وانظر " تمام المنة " ( ص 330).