التَصْنِيفُ المُبَّكِر

 تحميل المادة الصوتية

سُئل الشيخ العلاّمة مُحدث الديار الإسلامية(1) ما نصُّه:

مَا قَوْلُكُمْ فِي التَصْنِيفِ المُبَكِرِ لِطَالِبِ العِلْمِ؟ هَلْ صَحِيحٌ أَنَّهُ يَشْحَذُ ذِهْنَ طَالِبِ العِلْم؟

 الجواب: لا ليس بصحيح, وبالطبع أنا أفهم من سؤالك أنَّ التصنيف الذي تسأل عنه هو المُصَنَّفُ الذي الذي يطبعه وينشره, لكنِّي أنا أقول: يصنف لنفسه, ويجمعه عنده في مكتبته, إلى أن يشعر بالنضج العلمي, حينئذ يخرج بما ألَّف إلى الناس, وبلا شك؛ فسوف لا يستطيع أن يخرج ما ألَّف كأول تأليف أو ثاني أو ثالث إلا بعد إعادة النظر, لأنه سيشعر أنَّه مع تقدم الزمن, أنَّه اختلفت عليه كثير من الآراء والأفكار.

  والمثل هو أمامكم؛ فأنا عندي كتاب هو أول باكورة عملي, وهو الذي أعزو إليه في كثير من كتبي, وهو المعروف بالروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير, عندي مجلدان منه كبيران, لكني لا أوافق على طبعه؛ لأنه كلما عنّت لي مناسبة؛ فرجعت إليه, قلت: أنا كيف قلت هكذا؟

   ما في غرابة! لأنه العلم ما (بيمشي)(2) إلا خطوة خطوة, أنا أضرب لكم مثلاً(3) تفضَّل الله علي بتنبيه العالم الإسلامي اليوم عليها بعد أن كنت وقعت في خلافها.

  فأنتم كطلاب علم, تعلمون الآن بأنَّ ابن حبّان إمام من أئمة الحديث, والذين يعدِّلون و يُجَّرِحُون, ويقال فيه إنه متساهل في التوثيق, فأنا لما ألَّفت هذا الكتاب, كنت أعتمد على توثيق ابن حبّان, شأني شأن غيري من الطلاب في هذا الزمان وفي ما قبله, وثَّقَهُ ابن حبّان انتهى الأمر, ولكن مع الزمن انكشف لي أن توثيق ابن حبّان لا يعتد به دائماً وأبداً, فبدأت في كل كتبي ألفت النظر إلي هذه الحقيقة؛ فصار الآن, عند كثير من طلابي أنا خاصةً- في الجامعة الإسلامية وفي غيرها- من العلم ما لم يكن عندي, أنا كنت جاهلاً به, ثم اكتشفت نفسي؛ فأخذت أنبِّه الناس بأن توثيق ابن حبّان ينبغي أن يُؤخذ على حذر, لأنه يُوَّثِقُ المجهولين, ومضى علي زمن لا بأس به, وإذا بي أكتشف بأنّه إذا تفرَّد ابن حبّان أحياناً بتوثيق رجل فيكون مع ذلك ثقة, وهذا أخيراً سطرته في بعض الكتب.

  كيف ذلك؟ إذا كان ابن حبّان يُوَّثِقُ رجلاً ويكون هذا الرجل له رواةٌ كُثُر؛ فبرواية هؤلاء الكُثُر عن ذاك الراوي الذي هو مجهول عند غيره, يخرج عن الجهالة العينية إلي الجهالة الحالية, ثم هذه الجهالة الحالية تُرَشَّح, لأنها مناسبة للتوثيق فيما إذا وثقه الإمام ابن حبّان.

 كذلك تبيَّن لي, والفضل في هذا يعود إلى غيري, هذا الأخير وهو الشيخ عبد الرحمن المُعلمي- رحمه الله-, (أنَّ المُوَثَّق إن كان من شيوخ ابن حبّان؛ فهو ثقة, لأنه يوّثقها بمعرفة).

 فإنّما هو(4) يوّثق ناساً من التابعين أو ممن بعدهم, يقول في بعضهم صراحةً: لا أعرفه ولا أعرف أباه(!), كيف صار عندك ثقة مع أنَّه لا يعرفه ولا يعرف أباه؟, هذا ممن تفرد به دون الناس.

  الخلاصة, هذه أشياء أنا كنت غافلاً عنها بضع سنين, عشر سنين, الله به عليم, لكن مع الزمن اكتشفت الحقيقة, ولذلك أنا لا أنصح طلاب العلم أن يبادروا إلى نشر كتبهم ورسائلهم, وإنَّما عليهم أن يؤلفوا- ما فيه مانع- لأن هذا التأليف قد يُمَرِّنهم, قد يحفظ معلوماتهم في كتاب أو رسالة, ويضعوها على الرف كما فعلت أنا في الروض النظير.

  وفي اعتقادي أنّ هذا الكتاب(5)سوف أموت ويبقى كما هو, لماذا؟ لأني لا أجد الوقت ما يمكنني من إعادة النظر من أوله إلى آخره, حتى يصلح للنشر بين الناس.

  ولذلك, فالمبتدئون في العلم, خطرٌ كبيرٌ جداً أن يؤلّفوا وأن ينشروا, لكن من مصلحتهم أن يؤلفوا وأن يدّخروا, يحبسوا مؤلفاتهم إلى بعد زمن حينما يشعرون بالنضج العلمي إن شاء الله."اهــ.(6)

 تحميل ملف وورد

مواضيع ذات علاقة

 

 


([1]) محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله تعالى-.

([2]) لا يمشي. ت.م

([3])  مقتضى السياق أن يُقال هنا ((أنا أضرب لكم مثلاً في مسألة تفضَّل الله...)) ولعلَّها سقطت من كلام كلام الشيخ- رحمه الله-.

([4]) أي ابن حبّان. ت.م

([5]) أي الروض النضير. ت.م

([6])  مادة مُفَرَّغَةٌ مُقتطفةٌ من الشريط الثامن والثمانون بعد المئتين من سلسلة الُهدى والنور, قام بإعدادها والاهتمام بها لقمان بن أبي القاسم أبو عبد الله الآجُّري الخزرجي الأنصاري.