|
|
حول العلم وفضله وماهو العلم الذي يعد فريضة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن الموضوع الذي تم اختياره هو موضوع العلم. والعلم يعتبر علاجًا لجميع أمراضنا، ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأمره ربه أن يطلب الزيادة من العلم، فقال سبحانه وتعالى: {وقل ربّ زدني علمًا[1]} ورب العزة يبين حالة العالم وحالة الجاهل، فقال: {أفمن يعلم أنّما أنزل إليك من ربّك الحقّ كمن هو أعمى إنّما يتذكّر أولو الألباب[2]}. ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول فيما رواه البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث معاوية رضي الله عنه: ((من يرد الله به خيرًا يفقّهه في الدّين)). ورب العزة يعلّل كثيرًا من مخلوقاته، فيقول في آية من كتابه: {إنّ في ذلك لآيات للعالمين[3]}. وقال تعالى: {وما يعقلها إلاّ العالمون[4]}. ورب العزة يفضّل الكلب المعلم على غير الكلب المعلم، فيحلّ صيد الكلب المعلم مع ذكر اسم الله تعالى، فيقول سبحانه وتعالى: {يسألونك ماذا أحلّ لهم قل أحلّ لكم الطّيّبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهنّ ممّا علّمكم الله[5]}. بل يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن الهدهد صال بحجته على سليمان فقال: {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين[6]}. ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرغّب أمته في العلم، ويرغّب أمته في أشرف العلوم، ألا وهو حفظ كتاب الله، فإن أفضل العلوم هو القرآن الكريم، بخلاف ما يقول أهل علم الكلام. أهل علم الكلام يقولون: إن أفضل العلوم هو علم الكلام لأنه يتكلم عن الله وصفاته. وهذا جهل منهم بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: (حكمي على أهل علم الكلام، أن يدار بهم في الأسواق ويضربوا بالسياط, ويقال: هذا جزاء من استبدل بكتاب الله أو من أعرض عن كتاب الله). فأفضل العلوم هو تعلم كتاب الله وتعلم سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم {يرفع الله الّذين ءامنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات[7]}، {إنّما يخشى الله من عباده العلماء[8]}. والعلم أفضله هو حفظ القرآن الكريم, فإن نبينا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول -كما في "صحيح البخاري" من حديث عثمان رضي الله عنه: ((خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه))، ويقول كما في "صحيح مسلم" من حديث عمر رضي الله عنه: ((إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين )). وكان علماؤنا المتقدمون رحمهم الله تعالى, منهم من يتخصص للقرآن, ومنهم من يتخصص لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, ومنهم من يتخصص في اللغة العربية. وفي الغالب أن المتخصص منهم يكون ملمًا ببقية العلوم, لكن قد وجد من القراء كحفص بن سليمان إمام في القراءة -وهو أحد القراء السبعة- لكنه متروك في الحديث, ووجد أيضًا من هو إمام في الحديث, وربما يلحن في الأمور السهلة، وذلكم كعثمان بن أبي شيبة أخي أبي بكر بن أبي شيبة وأخي القاسم أيضًا، فإنه كان إمامًا في الحديث, لكنه يصحّف في القرآن, وإن كان الحافظ ابن كثير ينكر هذا في كتابه "مختصر علوم الحديث". ومن علمائنا المتقدمين من كان يتخصص في اللغة العربية، بل العربية تنقسم إلى أقسام، فمنهم من يتخصص في النحو، ومنهم من يتخصص في الصرف إلى غير ذلك، ومنهم من يجمع بين هذا وذاك, فالإمام الشافعي رحمه الله تعالى كان إمامًا في اللغة، وربما احتجّ بعربيته, وكان إمامًا في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى إنه لقّب بناصر السنة، وكتاباه "مختلف الحديث" و"الرسالة" ينبئان بأنه يستحق أن يلقب بناصر السنة, لأنه رد على أصحاب الرأي، ورد أيضًا على المعتزلة، وعلى من يطعن في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والعلم منْزلته رفيعة، من أجل هذا, فقّل أن تجد مؤلّفًا إلا وقد عقد كتابًا في العلم, ففي "البخاري" (كتاب العلم), وفي "صحيح مسلم" (كتاب العلم)، وفي "الترمذي" )كتاب العلم)، بل من أهل العلم من أفرد العلم بالتأليف كالحافظ ابن عبدالبر يوسف بن عبدالله، فإنه ألف كتابًا قيّمًا يساوي الدنيا، اسمه "جامع بيان العلم وفضله"[9] فذكر فيه فضل العلماء، وذكر فضل العلم, وذكر التقليد, وأن التقليد ليس بعلم. يقول بعضهم: أجمع العلماء على أن المقلد لا ينبغي أن يعدّ من أهل العلم, ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون[10]}. فذلك الكتاب القيم بدأه بفرض العلم، ثم أتى بحديث: ((طلب العلم فريضة على كلّ مسلم )) وأشار إلى تضعيفه رحمه الله تعالى، لكن الإمام السيوطي رحمه الله تعالى يقول: إنه وجد له قدر خمسين طريقًا، ومن ثمّ حكم بصحته. وما هو العلم الذي يعد فريضة؟. العلم الذي أوجبه الله عليك هو الذي يعد فريضة. فالعقيدة (التوحيد) واجب على كل مسلم أن يتعلمها، كما جاءت في الكتاب والسنة. ويحرم الجهل بالعقيدة سواء أكانت في أسماء الله أو صفاته، ويجب الإيمان بالعقيدة في أسماء الله وصفاته، كما وردت في كتاب الله، وكما وردت في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتلكم الجارية التي هي راعية غنم كما في حديث معاوية بن الحكم السّلمى رضي الله عنه: أنه أتى بجارية ليعتقها. فقال: يا رسول الله إني أريد أن أعتقها. فقال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا جارية أين الله؟)) قالت: في السماء. قال: ((أعتقها فإنّها مؤمنة)). يجب على كل مسلم أن يؤمن أن الله في السماء، وأن الله سبحانه وتعالى بعلمه مع كل أحد، وبحفظه وكلاءته ونصره مع المؤمنين يجب أن نؤمن بهذا: {ءأمنتم من في السّماء أن يخسف بكم الأرض[11]}، {الرّحمن على العرش استوى[12]}. وهناك كتاب قيم في هذا الموضوع أنصح إخواني في الله بقراءته, ذلك الكتاب القيم هو "العلو للعلي الغفار" للحافط الذهبي رحمه الله تعالى، وقد اختصره الشيخ ناصر الدين الألباني حفظه الله تعالى, فمن كان من طلبة العلم المحققين فينبغي أن يقتني الأصل, ومن كان لا يستطيع التحقيق فيقتني اختصار الشيخ، وإن جمع بين الكتابين فحسن، فإن أحدهما لا يغني عن الآخر. أهــ مقتطف من كتاب "المقترح" للشيخ العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - بتصرف يسير. [1] طه، الآية:114. [2] الرعد، الآية:19. [3] الروم، الآية:22. [4] العنكبوت، الآية:43. [5] المائدة، الآية:4. [6] النمل، الآية:22. [7] المجادلة، الآية:11. [8] فاطر، الآية:28. [9] عبد الله الوادعية كتاب قيّم لا أعلم له نظيرا "العلم والعلماء ". [10] الأعراف، الآية:3. [11] الملك، الآية:16. [12] طه، الآية:5.
|
|