أثر ابن مسعود في التسبيح الجماعي
بين مغالطات " الأزهري الأصلي " وواقع العل
بين مغالطات " الأزهري الأصلي " وواقع العل
الحمدُ ( العظمةُ ، الجلالُ ، المجدُ ، الكبرياءُ ، الجبروتُ ) لله ، هو رب كل شيء ومليكُه
لا إله إلا هو وحده لا شريك له.
وأصلي وأسلم علي النبي الكريم الشريف وعلى آله وصحبه .
أما بعد :
فإن نور العلم والسنة لا يناله نورا دائما مستمرا إلا من اعتصم بحقيقتهما ، فالصادق الملازم لحقيقة العلم والسنة هو وحده المنتفع بنورهما ، لا ينقطع عنه ما لزمهما ، أما المظهر الملازمة وهو في الحقيقة إنما يلازم مزاجه أو هواه أو المبدأ المحدث الذي نشأ عليه ، فهذا وإن حصل له انتفاع بسبب صلته بالعلم ، وإن حاز قبسا من النور بحكم الصلة لكن يوشك نوره أن ينقطع فيصير حاله كمن قال الله فيهم : ( فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) ولا يزال هذا حاله يصله من النور بقدر صلته بالعلم وينقطع عنه بقدر عبثه به وميله إلى مزاجه وهواه وبقدر تعصبه لمبدئه وانتمائه المحدث ( كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا )
وهذا حال أصحاب الآراء والأقوال المحدثة الذين يتظاهرون للعامة بتعظيمهم للسنة أو بتحكيمهم للعلم وهم في حقيقة الأمر أبعد الناس عنهما ، لا يعرفون من العلم والسنة إلا ما يمكن أن يخدم آراءهم مستغلين غفلة العامة
وهؤلاء في حقيقة الأمر لا يخاصمون السنة والعلم بقدر ما يخاصمون أنفسهم كحال الذين قال الله فيهم : ( يخربون بيوتهم بأيديهم ) وهم لم يباشروا تخريبها ، وهنا يحضر العقل المبارك الذي يمنع صاحبه من أن يكون عدو نفسه
وما أعقل العرب فقد كانوا يصفون كل من يجر إلى نفسه الضرر ولو من غير قصد بأنه عدو نفسه
وروي عن الحسن البصري كما في تاريخ المدينة أنه قال :
شَهِدْتُ عثمان يخطبُ على المنبر يوم الجمعة فقامَ رجلٌ [ ممن يخاصمون عثمان ] تِلْقَاءَ وجهه فقال: أسأَل كتابَ الله. فقال عثمان رضي الله عنه: أما لكتاب الله طالبٌ غيرك? اجْلِس .. كَذَبْتَ يا عَدُوّ نفسِهِ " ا.هـ
والرجل إنما يريد كتاب الله !
لكن ليس كل من يظهر طلب الكتاب أو السنة يكون صادقا فضلا عن أن يكون مصيبا لهما ، فيكون طلبه لهما بالطريقة التي هو عليها سببا في بُعده عن الله والإضرار بنفسه وبهذا يكون في الحقيقة عدو نفسه ، كما قال تعالى : ( وقد خاب من دساها )
ومن باب النصيحة أقول لأخي الأزهري الأصلي ( مساعد المشرف بمنتدى الملتقى التابع للإخوان المسلمين ) :
أي عدو نفسك اتق الله وأشفِق عليها فلطالما ورطتها ورطات يعلمها الله من تحميل للنصوص ما لا تحتمل ، ومن عرضٍ لمسائل تحارب بها خصومك عرضا مجانبا لأمانة العلم ، ومن أجوبة متكلفة أكاد أقطع بأنك على غير قناعة بها ، ومن جحود لأقوال وأدلة تنكر ورودها بمحض التكهن دون أن تأخذ بأسباب البحث !! وتظهر للقارئ أنك تنفيها عن علم ! لتبطل قول مخالفك !!
ومن تعصبٍ أعمى لرموز طائفتك يدفعك إلى مجانبة المصداقية في الجواب ، فتنفي عنهم المآخذ الثابتة بكل عصبية وعناد ، لا لأنها باطلة النسبة إليهم ولكن لتُضْعف من نقد مخالفك لهم ، وعندما تُحاجَج بتوثيق المآخذ عليهم تنتقل إلى جواب مضاد لجوابك الأول فتدافع عما كنت تنفيه دفاعا مستميتا في صورة واضحة مكشوفة من التناقض
إلى غيرها من المؤاخذات التي سأبذل لك خدمة جليلة بكشفها تباعا ، تنفعك عند الله
وأنبه أخي الأزهري الأصلي هداني الله وإياه إلى أن الأخذ بالأسباب في طلب الحق هو أهم ما أنبهه عليه
وهو أبرز ما ينقصه في جل بحوثه التي قرأتها وأتمنى ألا يكون مقصودا فالرجل قد أوتي فهما ، وهو يذكرني بالكوثري كثيرا على أنه أعقل وأكثر أدبا منه
فالكوثري يسب خصومه سبا يستحي المؤدب من نقله فضلا عن أن يحاكيه
لكن أنصاره إذا تكلموا عن أدب النقد يرون قُبته حبةً وحبةَ غيره قبةً على منوال :
( يرى أحدكم القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه معترضا )
وهذا هو شأن أهل الآراء المحدثة دائما فنحن على إياس من أن نرى منهم عدلا إلا من رحم الله منهم وقليل ما هم
وهذا واقع ، وخبر عنهم بالقوة ولو كان في ظاهره حكما .
كما أنبه أخي الأزهري ومن تأثر به إلى أن ما يظهره أخونا الأزهري دائما في بحوثه ليستميل به غيره من إشعاره القرّاء بأنه ينصف خصومه كما يفعل أحيانا عندما يظهر إنصافه عن طريق فقرة معينة ضمن بحث طويل ، يبرزها على أنه أنصف فيها مخالفه وهو يعلم أنها فقرة لا تحمل تأثيرا في المسالة فيظنها صاحب النية الحسنة على غفلة منه أنها خرجت من معدنها فيطمئن للكاتب وهو يظنها مؤشر أمان !
بينما أخونا الأزهري يكتم أضعاف تلك المعلومة مما يبطل قوله ومما يكشف حقيقة إنصافه المزعوم .
وهذه شطارة لا يحمد عليها الأزهري ، فإن أكيس الكيس التقى وإن أحمق الحمق الفجور ، وإن ما عند الله لا ينال بالحرام .
كما أنبه إخواني بما فيهم الأزهري إلى أن الإنصاف قبل أن يكون شعارا فهو حقيقة وهو من أخطر الأبواب التي إن لم تُحكَم دخل منها شر كبير .
فإن نسمات الإنصاف عندما تأتي في غير موعدها وفي غير محلها وتشتد على المرء في بُعد منه عن العلم وعن أدلته فإنها قد تقتلع ما في قلبه من خير باسم هذا الشعار
فليس الإنصاف هو أن تتوسط حسيا بين طرفين أو تقف في المنتصف بين أطراف فهذا غالبا يكون من قبيل عدم الإدراك والتمييز للصواب وإن أُلبس ما أُلبس .
لكن الإنصاف أن تحكُم في المسألة على ضوء واقعها بكل مصداقية وباعتبار الأسباب الحقيقية بغض النظر عن دوافعك النفسية والشخصية والانتمائية
والجدير بالذكر أن واقع الكثير ممن يظن نفسه منصفا يرجع ظنه لقلة إدراكه
فإنه كلما اشتدت الخصومة بين مذهبين دعت الظروف من كان أقرب إلى أحد الطرفين إلى تعديل مذهبه طلبا للتوسط الذي يكون نفسيا مطلبا لفئات من المتفرجين ومَن في حكمهم مِنَ الطرفين وهذا التوسط المنادَى به في مثل هذه الظروف والذي يعلم العاقل أن التأثير النفسي أو الطائفي أو الظرفي الواقعي أو نحوه كان سببا في ظهوره ، هذا التوسط كونه توسطا فيما يبدو لا يعني شرعيته من عدمها لأنه توسط حسي لا شرعي
وعلى هذا الوتر غالبا يضرب أخونا الأزهري سامحه الله .
لكن ما عند الله لا ينال بضرب الأوتار ، وإنما بتحري مراده ومراد رسوله على ضوء منهج الأخيار الأبرار ، وهو ظاهر مبيّن فيما خلفوه لنا من أسفار ، فلا مجال للإحداث والاختراع
وهذه هي مشكلة أخينا الأزهري فهو لا يتقيد بفهم السلف وإن زعم خلاف هذا فواقعه يشهد ، والمسألة ليست مسألة أمنيات
وجل ما يقرره من آراء لا يَسْلم من الإحداث والابتداع حتى فيما يُظهره من مناصرة بعض المقالات فإنه يخالف ما يقوله أرباب المقالة نفسها كما في كلامه عن التفويض في الصفات والمطلع على كلامه يعلم صدق ما أقول .
على اضطرابٍ صحب شرحه للمسألة وتراجعٍ عما كان يقول به من نفي التفويض ، ومرورٍ بما يعتبر أكثر من مرحلة ، وليس هذا محل بيانه
وهذا البحث المختصر الذي أقدمه بين يدي القارئ الكريم نموذج لعظيم ما يجره الأزهري وأمثاله من ضرر على العلم والسنة ، ومثال من أمثلة عدة تكشف مجانبته الأمانة في البحث ، وتبين بعده عن المصداقية ، وتدل على تحامله ضد خصومه إلى حد يخرجه عن أصول العلم .
ولا أريد أن أستطرد في الدعاوى فأترك الحجج النيرة تخاطب عقول وقلوب الباحثين عن الحق بدليله بعيدا عن عصبية الانتماءات المحدثة والله وحده الهادي إلى سواء السبيل
جاء أثر الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في إنكاره للتسبيح الجماعي من عدة طرق :
1 ـ عن عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال :
" كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد
فجاءنا أبو موسى الأشعري ، فقال :
أَخَرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟
قلنا : لا ، فجلس معنا حتى خرج ، فلما خرج قمنا إليه جميعا
فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ، ولم أر والحمد لله إلا خيرا .
قال فما هو ؟ فقال إن عشت فستراه
قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة ، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصا ، فيقول : كبروا مائة فيكبرون مائة ، فيقول : هللوا مائة فيهللون مائة ويقول : سبحوا مائة فيسبحون مائة .
قال : فماذا قلت لهم ؟
قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك ، أو انتظار أمرك
قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم .
ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق ، فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟
قالوا : يا أبا عبد الله حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح
قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم ، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه و سلم متوافرون ، وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر ، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة .
قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير .
قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حدثنا : أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم .
فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحِلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج
هذه القصة رواها الإمام الدارمي وبحشل في تاريخ واسط من طريق الحكم بن مبارك وعلي بن الحسن بن سليمان كليهما عن عمرو بن يحيى بن عمرو عن أبيه عن جده عمرو بن سلمة به
وهذا إسناد جيد لابأس به
فعلي بن الحسن هو شيخ مسلم وهو ثقة وثقه أبو داود والحاكم
والحكَم بن المبارك " كان أحمد بن حنبل يقول: هو عندنا ثقة، فقيل له: في مالك ؟ فقال: في مالك وغيرمالك " كما في الأنساب للسمعاني
وقال عنه أبو عبد الله ابن مندة : " أحد الثقات "
وقال ابن عدي : يقال إنه لا بأس به
وقد حاول بعضهم الطعن في الحكم عندما نقل عن ابن عدي اتهام الحكَم بسرقة الحديث ، وهذا وإن كان لا يضر روايتنا هذه لأن الثقة علي بن الحسن قد رواه متابعا ولكن مع ذلك فالتهمة المذكورة عن الحكَم بن المبارك لا تصح وبيان هذا كالتالي : ذكر ابن عدي حديثا يُروى بلفظ :
" يكون في آخر الزمان قوم يحلون الحرام ويحرمون الحلال ويقيسون الأمور برأيهم "
فقال ابن عدي :
" وهذا حديث رواه نعيم بن حماد عن عيسى والحديث له وأنكروه عليه وسرقه منه جماعة منهم عبد الوهاب الضحاك وسويد بن سعيد وأبو صالح الخراساني الخاستي الحكم بن المبارك "
وهذه تهمة لا تثبت عن الحكَم وأوّل من برأه منها ابن عدي نفسه .
لكن أحب قبل هذا أنْ أُبين أنّ الآفة في هذا الزمان عند جماعة من المشتغلين بالنقد هي قلة الفهم الناشئ عن ضعف التأصيل !!
فراوٍ كالحكم وهو من طبقة شيوخ الإمام أحمد ويوثقه أحمد نفسه وهو قد أدركه ، ثم بعد أكثر من قرن يحكم عليه الإمام ابن مندة بأنه أحد الثقات فمثل هذا لا ينبغي الحكم عليه بسرقة الحديث بناء على ظنٍّ من إمام يخص رواية معينة
فالكلام السابق عن ابن عدي لا يدل على أن الحكم كان يسرق الحديث وأن هذا كان من صنيعه ، وإنما لما كان من المعلوم لدى ابن عدي أن الحديث المذكور هو من أوهام نعيم بن حماد قطعا ، وبالتالي فكل من رواه متابعا لنعيم فإنما أخذه من نعيم ، فاعتبر ابن عدي أن هذا مسروق من نعيم بن حماد ليبين أنه مأخوذ عنه ، حتى لا يظن الظان أن هذه متابعات تقوي الحديث ، فهو حكم بالسرقة استنتاجا من رواية واحدة ويخص هذه الرواية فهو حكم إنشائي .
فكيف يُجعل حكما خبريا عاما ؟!
ثم كيف يُرد من أجله التوثيق الصريح ممن هو أرفع وأعلم ؟!
وهذا على التسليم بأن ذكر الحَكَم ضمن أولئك كان مقصودا من ابن عدي على أنه ممن ثبتت سرقته مع المتهمين في هذه الراوية .
ولكن هذا غير صحيح فابن عدي نفسه بيّن في موطن آخر أن هذه التهمة لا تشمل الحَكَم وإنما تخص الباقين دونه هو .
ففي الكامل في ترجمة سويد قال :
" قال الفريابي ووقفت سويد عليه بعد أن حدثني ودار بيني وبينه كلام كثير .
وهذا إنما يعرف بنعيم بن حماد ورواه عن عيسى بن يونس فتكلم الناس فيه مجراه ثم رواه رجل من أهل خراسان يقال له الحكم بن المبارك يكنى أبا صالح الخواشتي يقال إنه لا بأس به ثم سرقه قوم ضعفاء ممن يعرفون بسرقة الحديث منهم عبد الوهاب بن الضحاك والنضر بن طاهر وثالثهم سويد الأنباري " ا.هـ
ومن قوله : " وهذا إنما يعرف ..." إلى آخره هو من كلام ابن عدي كما دل على هذا نقل الخطيب البغدادي وابن عساكر في تاريخيهما والمزي في تهذيبه والذهبي في الميزان وابن حجر في التهذيب فكلهم نقلوه عن ابن عدي
فابن عدي في كلامه المفصّل هذا بَيّن أنّ تهمة السرقة لا تشمل الحَكََم وإنما هو لا بأس به كما يقال .
ولو أننا لم نحصل من ابن عدي على هذا التفصيل لدفعْنا ثمن غياب التأصيل عن أولئك الذي اعتمدوا حُكما استنتاجيا مِنْ رواية يختص بها ذلك الاتهام !!
فتبين أن الحديث اتفق عليه الثقتان علي بن الحسن بن سليمان شيخ مسلم والحكم بن المبارك وهو ثقة لا بأس به
أما شيخهما عمرو بن يحيى فهو لا بأس به إن لم يكن أرفع ، فقد وثقه ابن معين ولم يصح عنه سوى التوثيق
ففي الجرح والتعديل قال ابن أبي حاتم في ترجمة عمرو بن يحيى :
" روى عنه ابن أبى شيبة وابن نمير وعبد الله بن عمر وإبراهيم بن موسى وعبد الله بن سعيد الأشج سمعت أبى يقول ذلك
نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال : عمرو بن يحيى بن سلمة ثقة " ا.هـ
فهذا توثيق صريح صحيح
وروى عن عمرو أيضا سعيد بن سليمان وعبد الرحمن بن صالح ومحمد بن العلاء والحكم بن المبارك وغيرهم
ومن كان هذا حاله من رواية هذا الجمع ومن توثيق ابن معين له توثيقا صريحا فحديثه صحيح ثابت بلا تردد
ولم يثبت في حقه جرح معتبر
وأما ما جاء عند ابن عدي من قوله :
" حدثنا بن أبي عصمة ثنا أحمد بن أبي يحيى قال سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة ليس بشيء " ا.هـ
ففيه أحمد بن أبي يحيى كذاب معروف
وهو أحمد بن أبي يحيى أبو بكر الأنماطي البغدادي
قال ابن عدي : سمعت موسى بن القاسم بن موسى بن الحسن بن موسى الأشعث يقول حدثني أبو بكر قال سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول أبو بكر بن أبي يحيى كذاب
قال الشيخ ولأبي بكر بن أبي يحيى هذا غير حديث منكر عن الثقات لم أخرجه هاهنا وقد روى عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل تاريخا في الرجال " ا.هـ
وهذا إسناد صحيح عن إبراهيم بن أورمة وهو حافظ كبير .
فكيف يعتمد الأزهري الأصلي على رواية كهذه ينقلها راو كذاب ليرد بها التوثيق الذي رواه الأئمة الثقات ؟!!
أهي الحاجة إلى تضعيف الأثر وبأي طريقة ؟!
أم أنها التعمية والتضليل على العامة الذين لا يمكنهم المتابعة ؟!!
ولو أن الأزهري كان غافلا عن دراسة هذه الرواية لعذرناه لكنه اعتُرض عليه ونُبه بأن الرواية عن ابن معين لا تصح فقال :
" من قال أن الجرح لم ينقل بطريق صحيح ؟ هذا غير صحيح !! جرح يحيى بن معينللراوي نقله ابن عدي بسند صحيح عنه " ا.هـ كلام الأزهري الأصلي
إنه العناد والتعصب ، والتلهف الأعمى لنقد أتباع السلف .
وهذا التصحيح منه لرواية ذلك الكذاب من أبرز ما يدل على أن عداءه لمذهب السلف قائم على المغالطات العلمية وعلى التلبيس لو كان قراءه يعقلون .
يا قوم ! انتبهوا !
هذه المغالطة الكاشفة لهذا الأزهري تُنبه العقلاء على أخواتها من المغالطات والتلبيسات
فإن اللص الماهر في السرقة لا يقع في قبضة رجال الأمن إلا نادرا ، وكونه نادرا ما يقع لا يدل على أنه نادرا ما يسرق فاللبيب يكفيه الدليل القاطع
فبأي اعتبار صحح الأزهري الرواية وصاحبها كذاب ؟! وتلميذه ابن أبي عصمة لم يوثقه أحد فيما أعلم ؟!
فهذا هو الأزهري لمن يريد معرفة حقيقته وقد اتخذ من ملتقى الإخوان المسلمين أرضية مناسبة ليحارب آثار السلف ومنهجهم ولكن بقميص العلم وبشعار البحث وبستار الإنصاف
ولو فرضنا أن الرواية كما ادعى الأزهري صحيحة فالأزهري يعلم أن ابن معين يطلق القول : فلان ليس بشيء ويعني أحيانا أن أحاديثه قليلة لا يعني بها دائما الضعف
ففي مقدمة الفتح قال الحافظ ابن حجر :
" ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد بن معين بقوله في بعض الروايات ليس بشئ يعني أن أحاديثه قليلة جدا "
وهذا المعنى موافق لحال عمرو بن يحيى كما ذكر ابن عدي من أن رواياته ليست بكثيرة ، وبهذا نوفق بين أقوال ابن معين نفسها
لكن الأزهري لا يفهم إلا ما يريد ، فما جوابه وقد تهاوت هذه الرواية التي تفرد بها كذاب !!
وأما قول ابن معين في عمرو بن يحيى : " لم يكن يُرضى "
فإليك ما في هذه الرواية مما تجاهله الأزهري جريا على المعتاد
قال ابن عدي :
" حدثنا أحمد بن علي ثنا الليث بن عبدة قال سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة سمعت منه لم يكن يرضي وعمرو هذا ليس له كثير رواية ولم يحضرني له شيء فأذكره " ا.هـ
وفي إسناده أحمد بن علي بن الحسن بن شعيب المدائني ، أبو علي :
قال الدارقطني : لا بأس به .
وقال ابن يونس : لم يكن بذاك ، وكان ذا دعابة ، وكان جواداً كريماً ، حسن الحفظ
وقال مسلمة بن قاسم : وكان عياراً من الشطار ، كثير المجون ، ولا نحب أن يكتب مثله شيء .
ومثل هذا لا يُقبل منه ما يرويه ( على الأقل عندما يخالف ) وهذا ما لا ينبغي أن يخالف فيه أحد ، إذ كيف نقبل هذه الرواية عن ابن معين بمثل هذا الإسناد وهي لا توافق ما صح عن ابن معين .
انظر ترجمة المدائني في "لسان الميزان" ، "وسؤالات حمزة السهمي" للدارقطني .
والليث بن عبدة أيضا لم يوثقه أحد فيما أعلم
ومع هذا لو مشّينا هذه الرواية : ( لم يكن يُرضى ) فهي لا تدل إطلاقا على أن صاحبها ضعيف أو مردود الرواية .
( لم يكن يرضى ) أفي مذهبه أم في وايته ؟
وإذا كان في روايته ، فما المراد ؟ هل عدم الرضى الذي ينزل روايته من أعلى مراتب الصحة إلى أدنى مراتب الصحة ؟
فهذا لا ترد به الرواية
أم عدم الرضى الذي يصير الرواية دون مرتبة الاحتجاج فهذا غير واضح من هذا اللفظ
فإذا استحضرنا أن قائل هذه العبارة نفسها وهو ابن معين قد صح عنه أنه وثق هذا الراوي لم يبق مجال أمام الباحث الصادق إلا اعتماد التوثيق لأنه صريح والآخر غير مفسر وغير واضح وهو الذي يسميه العلماء بالمبهم أو المجمل
فلا أثر عند هذا لذلك اللفظ على قبول روايات عمرو
وهل يقول مشتغل بعلم الحديث إن قوله : " لم يكن يُرضى " مع ما فيه من إبهام وإجمال يرُد التوثيق ( الصريح في معناه ) ( الأصح من حيث الرواية ) ؟!!
اللهم إلا على طريقة أهل الأهواء التي يسلكونها في الترجيح بين الأقوال بكل صفاقة لا يستحون فيها من الخلق ولا الخالق
فالمعروف في أصول الجرح والتعديل أن الجرح المبهم ( الغير مفسر ) يُرَد ولا يُعمل به إذا عارضه توثيق صريح حتى ولو كان الجرح أصح رواية مادام أن التوثيق ثابت فكيف والتوثيق أصح والجرح في ثبوته نظر ؟!
ومن المفيد ذكره هنا أن ابن عدي نفسه الذي روى الجرح لم يتفاعل معه عندما جاء ليلخص حال عمرو ، وإنما اكتفى بقوله :
" وعمرو هذا ليس له كثير رواية ولم يحضرني له شيء فأذكره "
هذا ما لخص به ابن عدي رأيه في عمرو خاتما ترجمته ، ومن عادته أنه يلخص رأيه عند ختام كل ترجمة بما يترجح لديه .
فهو لم يجرحه ، ومنه تعلم ما اعتمده الأزهري من التمويه كما هو ديدنه في مسائل العلم والسنة عندما نقل عن ابن عدي أنه جرح عمرو بن يحيى
بينما لم ينطق ابن عدي بأي عبارة جرح ، ولو نطق بشيء يمثل رأيه لهرع الأزهري إلى نقله
والأزهري قبل غيره يعلم أن مجرد رواية ابن عدي لقول بسنده لا يدل إطلاقا أنه قوله فمن أسند لك فقد برئت ذمته ، كيف وأحمد بن أبي يحيى الكذاب قد روى تكذيبه ابن عدي نفسه في نفس الكتاب وهو الكامل111111111111111
تعليق