أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله واعرفوا ما للمساجد من مكانة وحرمة وقوموا بحقها من واجب الخدمة. فإنها بيوت الله ومهابط رحمته وملتقى ملائكته والصالحين من عباده، وقد أضافها الرب إلى نفسه إضافة تشريف وإجلال. وتوعد من يمنع عباده من ذكره فيها أو خربها أو تسبب في خرابها. فقال تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [البقرة:114].
عباد الله: إن من ينظر في حالة المساجد اليوم ويقارنها بما كانت عليه في صدر الاسلام وعهد القرون المفضلة يجد الفرق كبيرا، فقد كانت المساجد في العهد الأول مواطن العبادة ومعاهد العلم ومنطلق المجاهدين والرابطة القوية بين المؤمنين. كانت في غير أوقات الصلوات لا تخلو من المتعبدين والمعتكفين، ولا من الدارسين المتفقهين ؛ وفي أوقات الصلوات تغص بالمصلين، بحيث لا يتخلف عنها إلا معذور عن الحضور أو منافق معلوم النفاق، وفي العهد الحاضر تغير حالها وساء تعامل الناس معها وأحدث فيها ما يتنافى مع مكانتها وقدسيتها، وما لا يليق بكرامتها، ففي بعض البلاد صار يدفن فيها الاموات ممن يعتقد فيهم الولاية. وتمارس حول قبورهم فيها جميع أنواع الشرك الأكبر من دعاء هؤلاء الأموات والإستغاثة بهم وطلب المدد منهم، وأول من أحدث ذلك في بلاد المسلمين الشيعة الفاطميون يريدون بذلك القضاء على الإسلام وبث الوثنية. لأنهم منظمة يهودية ادعت الإسلام خديعة ومكرا، وقلدهم الصوفية الخرافيون في بناء هذه المساجد في بلدان أخرى. فأصبحت هذه المساجد المبنية على القبور مصادر للوثنية. بعد أن كانت المساجد السنية مصادر للتوحيد، وقد لعن النبي هؤلاء الذين يبنون المساجد على القبور وأخبر أنهم شرار الخلق عند الله، ثم إن غالب المساجد التي ليس فيها قبور في بعض البلاد تمارس فيها البدع والخرافات المتمثلة بالطرق الصوفية. والأذكار والأوراد الجماعية المبتدعة. وفي بلادنا ساء وضع غالب المساجد. من حيث علاقة الناس بها، ومن حيث وضع القائمين عليها، ومن حيث تخطيطها وتصميمها، ومن حيث نظافتها وصيانتها.
فأما من حيث علاقة الناس بها وارتيادها، فالمساجد في غالب وقتها مهجورة مغَلقّة الأبواب، لا تفتح الا في وقت الصلاة، ولا يحضر غالب من يريدون الصلاة إلا متأخرين إما عند الإقامة أو بعد ما يفوت معظم الصلاة أو كلها، والكثير لا يعرف المساجد ولا يحضر جمعة ولا جماعة كانه يعيش في بلاد أوروبا وأمريكا. ولا من ينكر ولا من يغار لا من أولياء أمورهم ولا من جيرانهم ولا من عموم المسلمين إلا من شاء الله[ص:24].
وأما من حيث وضع القائمين على المساجد: (وهم الائمة والمؤذنون والملاحظون)، فمعلوم ان الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن كما في الحديث وعليهما مسؤولية عظيمة فيجب اختيار الإمام من أفضل الموجودين علما ودينا لأنه قدوة، فيجب أن يكون الإمام سليم العقيدة. حسن السلوك والخلق. محافظا على إقامة الصلاة في أوقاتها. متمما لأحكامها وأركانها وواجباتها وسننها. من غير ان يشق على المأمومين، ولا يجوز ان يتولى الإمامة من لا تعرف عقيدته. خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه الوافدون الينا من بلاد اخرى بعقائد غير سليمة كالأشاعرة والمعتزلة والجهمية. أو أصحاب النحل الضالة والافكار المسمومة كالصوفية والمبتدعة والقبورية، إنه يجب أن يتولى اختيار الامام جهة علمية موثوقة تعرف أين درس ومن أي مكان تخرج وتختبره في عقيدته اختبارا دقيقا. ولا يكتفى باختيار جماعة المسجد أو بعضهم لأن أغلبهم يجهلون هذه الامور .
وأما المؤذن: فيجب عليه مراقبة الوقت بدقة فلا يؤذن إلا عند دخول الوقت، وإذا غاب وجب عليه أن يستخلف من ينوب عنه، وبعض المؤذنين يتساهل في أمر الوقت. فربما أذّن قبل دخوله فيصلي من يسمعه من النساء. وبعض أئمة المساجد يؤذن قبل دخول وقت الصلاة، وبعضهم يتأخر في الاذان فيسمعه الكسالى فيتاخرون حتى تفوتهم صلاة الجماعة وهذا خلل عظيم يجب التنبه له وتجنبه.
واما الملاحظون لنظافة المساجد فغالبهم لا يقوم بعمله مع أنه يتقاضى المكافأة المالية وهي حرام عليه مادام لا يقوم بواجبه، وربما يقول بعضهم إن المكافأة قليلة فيتساهل باداء العمل. وهذا عذر باطل.لأن المكافأة وان كانت قليلة فإنه لا يحل له أخذها إلا بأداء العمل الذي خُصّصت من اجله.
وأما من حيث تخطيط المساجد: فالوضع الذي عليه غالب المساجد غير مناسب لمتطلبات الوقت الحاضر. فتوزيع المساجد على الحارات غير مناسب لأن بعض الحارات تقل فيها المساجد جدا، والبعض الآخر تكثير فيها المساجد جدا من غير حاجة، والواجب أن تنشأ المساجد على قدر الحاجة، لأن كثرة المساجد في موضع واحد مما يسبب تفرق المسلمين وتقليل عدد المصلين فيها، والنبي- يقول : ((صلاة الرجل مع الرجل ازكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان اكثر فهي احب إلى الله تعالى )). فدل هذا الحديث على أن كثرة العدد مطلوبة وكثرة المساجد مع تقاربها فيه تشتيت للمصلين وهو أيضا يسبب العجز عن توفير الأئمة الأكفاء لها، إضافة إلى أن المساجد المتقاربة يشوش بعضها على بعض، فإن بعض الائمة – هداهم الله – يخرج صوت ( المكرفون ) خارج المسجد فيمتد صوته إلى من حوله من المساجد. وهذا لا مبرر له لأن المطلوب من الامام أن يُسْمع من خلفه فقط، أما إذا تجأوز صوته خارج المسجد فهذا فيه محذوران :
المحذور الأول: التشويش على من حوله. ومعلوم أن الجهر بالقرآن إذا كان يتأذى به مصل أو قاريء اخر فإنه لا يجوز، كما نص على ذلك العلماء، وقد قال الله تعالى:ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا [الإسراء:110].
والمحذور الثاني: أن الإمام إذا قصد أن يُسْمع صوته خارج المسجد دخل في الرياء والسمعة المذموميْن فيجب الانتباه لهذا.
وأما تصميم المساجد: فغالب المساجد لا يفي تصميمها بالحاجة فقد تكون ضيقة، ولا يكون لها مرافق كافية كإعداد مساكن للقائمين عليها ودورات المياه. ولا تكون مكيفة بما يخفف عن المصلين الحر والبرد.
وبعض المساجد تزخرف وتفخم عمارتها بما لا يتناسب مع قدسية المساجد، وقد نهى النبي عن زخرفة المساجد فقد روى ابن خزيمة في صحيحه عن النبي انه قال : ((يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها الا قليلا ))، وفي رواية لابن حبان : ((نهى رسول الله ان يتباهى الناس في المساجد )). وما يُنفق في هذا المسجد المزخرف من الأموال الكثيرة لو وزع لأقام عدة مساجد على الوجه الشرعي.
واما من حيث صيانة المساجد وتنظيفها: فالتقصير في ذلك ظاهر بحيث ان بعض المساجد يتراكم فيها الغبار والقمامات بسبب الاهمال وعدم العناية. لأن الاحتساب اليوم قد قل،والمكلفون بهذا العمل من قبل الوزارة اغلبهم لا يقوم بالعمل. لأنه لا يخاف من الله وليس هناك رقابة من الجهة المسؤولة، وقد احدث في زماننا هذا ما يسمى باسبوع المساجد ينشط الناس في وقته بنظافة بعض المساجد ثم ينتهي ذلك بإنتهاء هذا الأسبوع الذي ليس لوجوده مبرر سوى التشبه والتقليد الأعمى للدول الأخرى التي أحدثت هذه الأسابيع لمقاصد وأهداف، كأسبوع النظافة واسبوع الشجرة فاحدث هؤلاء اسبوع المساجد تقليدا لهم. فجعلوا المساجد كالشجرة والأمور الأخرى الدنيوية، مع أن ديننا يأمرنا بتنظيف المساجد دائما لا في أسبوع فقط، وتنظيفها عبادة إذا خُصّصت بوقت لم يخصصه الشارع صار بدعة في الدين. والدليل على أنه عبادة من الكتاب والسنة. فعن سمرة بن جندب أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها )، رواه احمد والترمذي وقال : حديث صحيح، وعن انس ((عُرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد )) الحديث. رواه ابو دأود والترمذي وغيرهما، وعن أبي هريرة أن امراة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله]- فسأل عنها بعد أيام فقيل له إنها ماتت فقال : ((فهلا اذنتموني؟ فأتى قبرها فصلى عليها ))، رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فقد شرع لنا رسول الله ]- تنظيف المساجد كل وقت ولم يقصرها على أسبوع. فمن خصص اسبوعا لذلك فقد ابتدع، وكل بدعة ضلالة، علأوة على ما في ذلك من التشبه بالكفار. فإن هذه الاسابيع لم تعرف إلا من قبلهم.
فالواجب على المسلمين ان ينتبهوا لمسؤوليتهم أمام بيوت الله ويتركوا التقليد الاعمى والتشبه الفاسد، الذي قد يكون وراءه ما وراءه.
نسأل الله ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :]وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً [الجن:18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . .
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه كما يُشرع تنظيف المساجد على الدوام وتطييبها، فإنه يَحْرم امتهانها بإلقاء القاذورات كالبصاق والمخاط والأوراق المهملة ومخلفات الطعام ونحو ذلك، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ((بينما رسول الله يخطب يوما إذ رأى نخامة في قِبلة المسجد فتغيظ على الناس ثم حكها، قال واحسبه قال : فدعا بزعفران فلطخه به، وقال : ان الله عز وجل قبل وجه أحدكم إذا صلى فلا يبصق بين يديه )) رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس عن النبي]قال: (( البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها )) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله يقول : ((من سمع رجلا يُنشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا ))، رواه مسلم وأبو داود.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ((سيكون في اخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة )) رواه ابن حبان في صحيحه.
أها المسلمون : من هذه الاحاديث الشريفة يتبين لنا حرمة المساجد والنهي عن امتهانها بالقاء القاذورات فيها وجعلها محلا للسؤال عن الأموال الضائعة ونحو ذلك، وجعلها مجالس للتحدث بامور الدنيا. وقد اعتاد بعض الشبان المتدينين في وقتنا الحاضر الصاق الأوراق على جدران المساجد وعلى ابوابها. وتكتب فيها بعض الإعلانات أو تكتب فيها بعض الايات أو الاحاديث أو النصائح، حتى اصبحت بعض المساجد كانها معارض أو متاحف، وهذا العمل محدث لم يكن من عمل السلف الصالح. إضافة إلى انه يشغل المصلين والداخلين إلى المسجد عن ذكر الله وقد يكون المكتوب أيضا مما لا يجوز نشره كأن يكون حديثا مكذوبا أو دعاية لمذهب باطل. وبعض الجهال يأتون بكتب ونشرات ويضعونها في المساجد للتوزيع، وقد تكون هذه الكتب والنشرات غير مسموح بتوزيعها لما تشتمل عليه من اباطيل أو فتاوى غير صحيحة أو أوراد وأذكار بدعية، فالواجب منع هذه الأعمال والأخذ على أيدي من يقوم به. لئلا يتطور الامر إلى ما هو اشد كجعل المساجد محلا لبث الدعايات والاعلانات والخرافات.
ويجب ان لا يوزع أي كتاب أو نشره أو فتوى إلا بإذن من دار الإفتاء والأشراف على المطبوعات لئلا يجد المخرفون سبيلا إلى نشر خرافاتهم بيننا، إنه يجب على أئمة المساجد والمؤذنين الانتباه لهذا، ويجب أن لا يوضع في المساجد إلا المصاحف فقط. كما كانت في عهد السلف الصالح والتابعين لهم باحسان.
فاتقوا الله – عباد الله – واحذروا من الدسائس الماكرة ولا تقبلوا أي كتاب أو نشرة أو فتوى إلا بعد عرضها على أهل العلم الموثوقين في علمهم وعقيدتهم.
وفق الله الجميع.. واعلموا أن خير الحديث كتاب الله....
منقول من خطب الشيخ د صالح الفوزان
أيها الناس: اتقوا الله واعرفوا ما للمساجد من مكانة وحرمة وقوموا بحقها من واجب الخدمة. فإنها بيوت الله ومهابط رحمته وملتقى ملائكته والصالحين من عباده، وقد أضافها الرب إلى نفسه إضافة تشريف وإجلال. وتوعد من يمنع عباده من ذكره فيها أو خربها أو تسبب في خرابها. فقال تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم [البقرة:114].
عباد الله: إن من ينظر في حالة المساجد اليوم ويقارنها بما كانت عليه في صدر الاسلام وعهد القرون المفضلة يجد الفرق كبيرا، فقد كانت المساجد في العهد الأول مواطن العبادة ومعاهد العلم ومنطلق المجاهدين والرابطة القوية بين المؤمنين. كانت في غير أوقات الصلوات لا تخلو من المتعبدين والمعتكفين، ولا من الدارسين المتفقهين ؛ وفي أوقات الصلوات تغص بالمصلين، بحيث لا يتخلف عنها إلا معذور عن الحضور أو منافق معلوم النفاق، وفي العهد الحاضر تغير حالها وساء تعامل الناس معها وأحدث فيها ما يتنافى مع مكانتها وقدسيتها، وما لا يليق بكرامتها، ففي بعض البلاد صار يدفن فيها الاموات ممن يعتقد فيهم الولاية. وتمارس حول قبورهم فيها جميع أنواع الشرك الأكبر من دعاء هؤلاء الأموات والإستغاثة بهم وطلب المدد منهم، وأول من أحدث ذلك في بلاد المسلمين الشيعة الفاطميون يريدون بذلك القضاء على الإسلام وبث الوثنية. لأنهم منظمة يهودية ادعت الإسلام خديعة ومكرا، وقلدهم الصوفية الخرافيون في بناء هذه المساجد في بلدان أخرى. فأصبحت هذه المساجد المبنية على القبور مصادر للوثنية. بعد أن كانت المساجد السنية مصادر للتوحيد، وقد لعن النبي هؤلاء الذين يبنون المساجد على القبور وأخبر أنهم شرار الخلق عند الله، ثم إن غالب المساجد التي ليس فيها قبور في بعض البلاد تمارس فيها البدع والخرافات المتمثلة بالطرق الصوفية. والأذكار والأوراد الجماعية المبتدعة. وفي بلادنا ساء وضع غالب المساجد. من حيث علاقة الناس بها، ومن حيث وضع القائمين عليها، ومن حيث تخطيطها وتصميمها، ومن حيث نظافتها وصيانتها.
فأما من حيث علاقة الناس بها وارتيادها، فالمساجد في غالب وقتها مهجورة مغَلقّة الأبواب، لا تفتح الا في وقت الصلاة، ولا يحضر غالب من يريدون الصلاة إلا متأخرين إما عند الإقامة أو بعد ما يفوت معظم الصلاة أو كلها، والكثير لا يعرف المساجد ولا يحضر جمعة ولا جماعة كانه يعيش في بلاد أوروبا وأمريكا. ولا من ينكر ولا من يغار لا من أولياء أمورهم ولا من جيرانهم ولا من عموم المسلمين إلا من شاء الله[ص:24].
وأما من حيث وضع القائمين على المساجد: (وهم الائمة والمؤذنون والملاحظون)، فمعلوم ان الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن كما في الحديث وعليهما مسؤولية عظيمة فيجب اختيار الإمام من أفضل الموجودين علما ودينا لأنه قدوة، فيجب أن يكون الإمام سليم العقيدة. حسن السلوك والخلق. محافظا على إقامة الصلاة في أوقاتها. متمما لأحكامها وأركانها وواجباتها وسننها. من غير ان يشق على المأمومين، ولا يجوز ان يتولى الإمامة من لا تعرف عقيدته. خصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه الوافدون الينا من بلاد اخرى بعقائد غير سليمة كالأشاعرة والمعتزلة والجهمية. أو أصحاب النحل الضالة والافكار المسمومة كالصوفية والمبتدعة والقبورية، إنه يجب أن يتولى اختيار الامام جهة علمية موثوقة تعرف أين درس ومن أي مكان تخرج وتختبره في عقيدته اختبارا دقيقا. ولا يكتفى باختيار جماعة المسجد أو بعضهم لأن أغلبهم يجهلون هذه الامور .
وأما المؤذن: فيجب عليه مراقبة الوقت بدقة فلا يؤذن إلا عند دخول الوقت، وإذا غاب وجب عليه أن يستخلف من ينوب عنه، وبعض المؤذنين يتساهل في أمر الوقت. فربما أذّن قبل دخوله فيصلي من يسمعه من النساء. وبعض أئمة المساجد يؤذن قبل دخول وقت الصلاة، وبعضهم يتأخر في الاذان فيسمعه الكسالى فيتاخرون حتى تفوتهم صلاة الجماعة وهذا خلل عظيم يجب التنبه له وتجنبه.
واما الملاحظون لنظافة المساجد فغالبهم لا يقوم بعمله مع أنه يتقاضى المكافأة المالية وهي حرام عليه مادام لا يقوم بواجبه، وربما يقول بعضهم إن المكافأة قليلة فيتساهل باداء العمل. وهذا عذر باطل.لأن المكافأة وان كانت قليلة فإنه لا يحل له أخذها إلا بأداء العمل الذي خُصّصت من اجله.
وأما من حيث تخطيط المساجد: فالوضع الذي عليه غالب المساجد غير مناسب لمتطلبات الوقت الحاضر. فتوزيع المساجد على الحارات غير مناسب لأن بعض الحارات تقل فيها المساجد جدا، والبعض الآخر تكثير فيها المساجد جدا من غير حاجة، والواجب أن تنشأ المساجد على قدر الحاجة، لأن كثرة المساجد في موضع واحد مما يسبب تفرق المسلمين وتقليل عدد المصلين فيها، والنبي- يقول : ((صلاة الرجل مع الرجل ازكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان اكثر فهي احب إلى الله تعالى )). فدل هذا الحديث على أن كثرة العدد مطلوبة وكثرة المساجد مع تقاربها فيه تشتيت للمصلين وهو أيضا يسبب العجز عن توفير الأئمة الأكفاء لها، إضافة إلى أن المساجد المتقاربة يشوش بعضها على بعض، فإن بعض الائمة – هداهم الله – يخرج صوت ( المكرفون ) خارج المسجد فيمتد صوته إلى من حوله من المساجد. وهذا لا مبرر له لأن المطلوب من الامام أن يُسْمع من خلفه فقط، أما إذا تجأوز صوته خارج المسجد فهذا فيه محذوران :
المحذور الأول: التشويش على من حوله. ومعلوم أن الجهر بالقرآن إذا كان يتأذى به مصل أو قاريء اخر فإنه لا يجوز، كما نص على ذلك العلماء، وقد قال الله تعالى:ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا [الإسراء:110].
والمحذور الثاني: أن الإمام إذا قصد أن يُسْمع صوته خارج المسجد دخل في الرياء والسمعة المذموميْن فيجب الانتباه لهذا.
وأما تصميم المساجد: فغالب المساجد لا يفي تصميمها بالحاجة فقد تكون ضيقة، ولا يكون لها مرافق كافية كإعداد مساكن للقائمين عليها ودورات المياه. ولا تكون مكيفة بما يخفف عن المصلين الحر والبرد.
وبعض المساجد تزخرف وتفخم عمارتها بما لا يتناسب مع قدسية المساجد، وقد نهى النبي عن زخرفة المساجد فقد روى ابن خزيمة في صحيحه عن النبي انه قال : ((يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها الا قليلا ))، وفي رواية لابن حبان : ((نهى رسول الله ان يتباهى الناس في المساجد )). وما يُنفق في هذا المسجد المزخرف من الأموال الكثيرة لو وزع لأقام عدة مساجد على الوجه الشرعي.
واما من حيث صيانة المساجد وتنظيفها: فالتقصير في ذلك ظاهر بحيث ان بعض المساجد يتراكم فيها الغبار والقمامات بسبب الاهمال وعدم العناية. لأن الاحتساب اليوم قد قل،والمكلفون بهذا العمل من قبل الوزارة اغلبهم لا يقوم بالعمل. لأنه لا يخاف من الله وليس هناك رقابة من الجهة المسؤولة، وقد احدث في زماننا هذا ما يسمى باسبوع المساجد ينشط الناس في وقته بنظافة بعض المساجد ثم ينتهي ذلك بإنتهاء هذا الأسبوع الذي ليس لوجوده مبرر سوى التشبه والتقليد الأعمى للدول الأخرى التي أحدثت هذه الأسابيع لمقاصد وأهداف، كأسبوع النظافة واسبوع الشجرة فاحدث هؤلاء اسبوع المساجد تقليدا لهم. فجعلوا المساجد كالشجرة والأمور الأخرى الدنيوية، مع أن ديننا يأمرنا بتنظيف المساجد دائما لا في أسبوع فقط، وتنظيفها عبادة إذا خُصّصت بوقت لم يخصصه الشارع صار بدعة في الدين. والدليل على أنه عبادة من الكتاب والسنة. فعن سمرة بن جندب أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها )، رواه احمد والترمذي وقال : حديث صحيح، وعن انس ((عُرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد )) الحديث. رواه ابو دأود والترمذي وغيرهما، وعن أبي هريرة أن امراة سوداء كانت تقم المسجد ففقدها رسول الله]- فسأل عنها بعد أيام فقيل له إنها ماتت فقال : ((فهلا اذنتموني؟ فأتى قبرها فصلى عليها ))، رواه البخاري ومسلم وغيرهما. فقد شرع لنا رسول الله ]- تنظيف المساجد كل وقت ولم يقصرها على أسبوع. فمن خصص اسبوعا لذلك فقد ابتدع، وكل بدعة ضلالة، علأوة على ما في ذلك من التشبه بالكفار. فإن هذه الاسابيع لم تعرف إلا من قبلهم.
فالواجب على المسلمين ان ينتبهوا لمسؤوليتهم أمام بيوت الله ويتركوا التقليد الاعمى والتشبه الفاسد، الذي قد يكون وراءه ما وراءه.
نسأل الله ان يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :]وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً [الجن:18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسلم تسليما.أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه كما يُشرع تنظيف المساجد على الدوام وتطييبها، فإنه يَحْرم امتهانها بإلقاء القاذورات كالبصاق والمخاط والأوراق المهملة ومخلفات الطعام ونحو ذلك، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ((بينما رسول الله يخطب يوما إذ رأى نخامة في قِبلة المسجد فتغيظ على الناس ثم حكها، قال واحسبه قال : فدعا بزعفران فلطخه به، وقال : ان الله عز وجل قبل وجه أحدكم إذا صلى فلا يبصق بين يديه )) رواه البخاري ومسلم.
وعن أنس عن النبي]قال: (( البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها )) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله يقول : ((من سمع رجلا يُنشد ضالة في المسجد فليقل : لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا ))، رواه مسلم وأبو داود.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ((سيكون في اخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس لله فيهم حاجة )) رواه ابن حبان في صحيحه.
أها المسلمون : من هذه الاحاديث الشريفة يتبين لنا حرمة المساجد والنهي عن امتهانها بالقاء القاذورات فيها وجعلها محلا للسؤال عن الأموال الضائعة ونحو ذلك، وجعلها مجالس للتحدث بامور الدنيا. وقد اعتاد بعض الشبان المتدينين في وقتنا الحاضر الصاق الأوراق على جدران المساجد وعلى ابوابها. وتكتب فيها بعض الإعلانات أو تكتب فيها بعض الايات أو الاحاديث أو النصائح، حتى اصبحت بعض المساجد كانها معارض أو متاحف، وهذا العمل محدث لم يكن من عمل السلف الصالح. إضافة إلى انه يشغل المصلين والداخلين إلى المسجد عن ذكر الله وقد يكون المكتوب أيضا مما لا يجوز نشره كأن يكون حديثا مكذوبا أو دعاية لمذهب باطل. وبعض الجهال يأتون بكتب ونشرات ويضعونها في المساجد للتوزيع، وقد تكون هذه الكتب والنشرات غير مسموح بتوزيعها لما تشتمل عليه من اباطيل أو فتاوى غير صحيحة أو أوراد وأذكار بدعية، فالواجب منع هذه الأعمال والأخذ على أيدي من يقوم به. لئلا يتطور الامر إلى ما هو اشد كجعل المساجد محلا لبث الدعايات والاعلانات والخرافات.
ويجب ان لا يوزع أي كتاب أو نشره أو فتوى إلا بإذن من دار الإفتاء والأشراف على المطبوعات لئلا يجد المخرفون سبيلا إلى نشر خرافاتهم بيننا، إنه يجب على أئمة المساجد والمؤذنين الانتباه لهذا، ويجب أن لا يوضع في المساجد إلا المصاحف فقط. كما كانت في عهد السلف الصالح والتابعين لهم باحسان.
فاتقوا الله – عباد الله – واحذروا من الدسائس الماكرة ولا تقبلوا أي كتاب أو نشرة أو فتوى إلا بعد عرضها على أهل العلم الموثوقين في علمهم وعقيدتهم.
وفق الله الجميع.. واعلموا أن خير الحديث كتاب الله....
منقول من خطب الشيخ د صالح الفوزان