التعريف بـ"كتاب التوحيد" لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ (ت: 1206هـ)
إن (كتاب التوحيد) للشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ كتاب مهم، بين فيه المصنف أفراد التوحيد، وهو جدير أن نعنى به؛ لأنه مبني على آية وحديث، وقول واحد من السلف أحيانا.
وأذكر هنا تعريفا بالكتاب، ومنهج صاحبه فيه، وبعض شروحه.
فأقول مستعينا بالله:
والمقصود أن من فهم هذا الكتاب فقد فهم أكثر مسائل توحيد العبادة، بل يكون قد فهم جل مسائله وأغلبها". اهـ ["التمهيد": (ص ج)]
ـ أين ألفه الشيخ محمد؟
قال الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله ـ: "وهذا الكتاب صنفه إمام الدعوة ابتداء في البصرة لما رحل إليها، وكان الداعي إلى تأليفه ما رأى من شيوع الشرك بالله ـ جل جلاله ـ ومن ضياع مفهوم التوحيد الحق عند بعض المسلمين، وما رآه عندهم من مظاهر الشرك الأكبر، والأصغر، والخفي.
فابتدأ في البصرة جمع هذا الكتاب، وتحرير الدلائل لمسائله، ذكر ذلك تلميذه وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ في "المقامات".
ثم إن الشيخ لما قدم نجدا حرر الكتاب وأكمله، فصار كتابه هذا ـ بحق ـ كتاب دعوة إلى التوحيد الحق". اهـ ["التمهيد": (ص ب)، وانظر: "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي" للدكتور صال العبود (1/202)]
ـ موضوعات الكتاب:
ركز هذا الكتاب على توحيد العبادة، وهو توحيد الألوهية، والتحذير من الشرك الأكبر والأصغر، مع الكلام على توحيد الأسماء والصفات، وبيان الأدلة من الكتاب والسنة على خطر الشرك، وبيان ما بعث الله به رسله من التوحيد.
وقد بدأ المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ هذا الكتاب ببيان توحيد العبادة؛ لأن أكثر الناس في زمانه قد جهلوا هذا التوحيد، ووقعوا في كثير من الأعمال والأقوال التي تنافيه، ثم ختم كتابه بتوحيد الأسماء والصفات ليكون هذا الكتاب شاملا لأنواع التوحيد الثلاثة". ["عناية العلماء بكتاب التوحيد": (ص 2]
قال الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق: "طراز جديد في تفهيم الناس مقاصد التوحيد؛ إذ جعله على أبواب دائرية تنداح كل دائرة بأوسع من أختها.
فالدائرة الأولى: هو معرفة التوحيد الذي بعث الله به أنبياءه ورسله.
والدائرة الثانية: تحقيق ذلك التوحيد.
والدائرة الثالثة: الخوف من الشرك بأنواعه.
والرابعة: حماية التوحيد.
والخامسة: حماية حمى التوحيد". [مقدمة "إبطال التنديد" بتحقيقه]
ـ منهج الشيخ محمد في كتابه:
قال الشيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ: "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد هو أهم وأوسع كتب الشيخ ـ رحمه الله ـ في العقيدة، وقد اشتمل على ستة وستين بابا، أولها باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وآخرها باب ما جاء في قول الله تعالى: "وما قدروا الله قدر قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة" الآية".
"ومن منهجه في تأليفه:
1 ـ أن الكتاب من أوله إلى آخره يسوق فيه الشيخ الإمام آيات وأحاديث وآثارا عن سلف هذه الأمة، من الصحابة ومن بعدهم ممن سار على نهجهم وطريقتهم، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه "الجامع الصحيح"، وعلى الأخص كتاب التوحيد الذي هو آخر الكتب في "صحيح البخاري"، فإن طريقة البخاري في ذلك أنه يورد آيات وأحاديث وآثارا.
وقد بلغت أبواب كتاب التوحيد من "صحيح البخاري" ثمانية وخمسين بابا، أولها: (باب ما جاء في دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى)، وقد أورد فيه حديث معاذ بن جبل في بيان حق الله على العباد وحق العباد على الله.
وعِدة أبواب كتاب التوحيد عند الإمام البخاري، وأبواب التوحيد عند الإمام محمد بن عبد الوهاب متقاربة، وهي في "الصحيح" ثمانية وخمسون، وعند الإمام محمد بن عبد الوهاب ستة وستون.
2 ـ أنه عند إيراده الآيات والأحاديث والآثار يقدم الآيات ثم الأحاديث ثم الآثار، إلا إذا كان الأثر متعلقا بآية أو بحديث، فإنه يقدمه من أجل ذلك التعلق.
3 ـ هذا الكتاب مشتمل على الآيات والأحاديث والآثار، وبذلك علا قدر الكتاب وارتفعت منزلته، وليس للشيخ ـ رحمه الله ـ فيه كلام إلا ما يورده في آخر كل باب من مسائل مستنبطة من الآيات والأحاديث والآثار، وهي تدل على قوة فهم الشيخ ـ رحمه الله ـ ودقة استنباطه، وفيها شحذ أذهان طلاب العلم في معرفة المواضع التي استنبطت منها هذه المسائل.
4 ـ أن أبواب هذا الكتاب متضمنة تقرير التوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة، والتحذير مما ينافي أصل التوحيد، وهو الشرك بالله، أو ينافي كماله، وهو الشرك الأصغر والبدع، ومن أبواب "كتاب التوحيد" في تقرير التوحيد (باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، و(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب)، و(باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله)، و(باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله).
ومن الأبواب فيما ينافي أصل التوحيد وهو الشرك، (باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره)، و(باب ما جاء في الذبح لغير الله)، و(باب من الشرك النذر لغير الله)، و(باب من الشرك الاستعاذة بغير الله)، و(باب قول الله تعالى: "أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا" الآية، و(باب قول الله تعالى: "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون").
ومن الأبواب فيما ينافي كمال التوحيد وهو البدع والشرك الأصغر: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين)، و(باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟!)، و(باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله)، و(باب ما جاء في حماية المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك)، و(باب قول: ما شاء الله وشئت)". اهـ ["منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف" (ص 14)
ـ شروح "كتاب التوحيد":
1 ـ "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد": لحفيد المؤلف العالم العلامة المحدث الفقيه الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله تعالى (ت: 1233هـ)، وهو أوّل شروح هذا الكتاب وأطولها، ولكنّه لم يكمل، فقد انتهت مبيضة الشارح إلى (باب من هزل بشيء فيه ذكر الله)، ووجد في مسودته إلى آخر (باب ما جاء في منكري القدر)، وهو الباب التاسع والخمسون من أبواب الكتاب، وقد طلب الناشر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى إكمال شرح الأبواب السبعة الباقية فلم يتيسر له ذلك، فنقل الناشر ما تبقى من أبواب الكتاب مع شروحها من كتاب "فتح المجيد".
طبع الكتاب عدة مرات، ومن آخرها الطبعة التي حققها أبو عمر أسامة العتيبي، وفيها سقط وأخطاء استدرك بعضها في الطبعة الثانية التي قدم له فيها الشيخ العلامة عبد الله بن عقيل ـ حفظه الله ـ، نشرته دار الصميعي في مجلدين.
وسأذكر ما في هذه الطبعة في مقال لاحق ـ إن شاء الله ـ.
2 ـ "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد": للشيخ عبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي رحمه الله (ت: 1262هـ)، طبع بتحقيق ودراسة الشيخ حسن بن علي العواجي، نشر مكتبة أضواء السلف بالرياض (1419هـ) في مجلدين.
3 ـ "فتح الحميد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ عثمان بن منصور التميمي ـ رحمه الله ـ (ت: 1282هـ).
قال عنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ: "رأيت فيه من الدواهي والمنكرات ما لا يحصيه إلا الله".
طبع بتحقيق د.سعود بن عبد العزيز العريفي، ود.حسين بن الجليعب السعيدي، نشرته دار عالم الفوائد في أربعة أجزاء.
وقد نقلت شيئا ـ فيما سبق ـ عن مؤلفه، ووعدت بإكماله! أسأل الله التوفيق.
4 ـ "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد": للعلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ (ت: 1285هـ)، اختصره من "تيسير العزيز الحميد"، وزاد عليه.
وقد قام بتحقيقه والتعليق عليه الشيخ محمد حامد الفقي ـ رحمه الله ـ، وتعقبه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ في مواضع من ذلك.
ونشرته دار الصميعي للنشر والتوزيع في الرياض (1415هـ) بتحقيق الدكتور الوليد بن عبد الرحمن آل فريان في مجلدين، ثم طبع في مجلد، وهذا التحقيق هو الأفضل لحد الآن.
5 ـ "قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين": للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ، وهي حاشية جليلة مفيدة نافعة اشتملت على مسائل مهمة في التوحيد لا توجد في غيرها، ولم يسمّها المؤلف بهذا الاسم، وإنما سمّاها ابنه العلامة الشيخ عبد اللطيف ـ رحمه الله ـ.
وأصح نشرة هي طبعة الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة (1404هـ) بتحقيق الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري ـ رحمه الله ـ.
6 ـ "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ حامد بن محمد بن حسن بن محسن ـ رحمه الله ـ.
نشرته دار المؤيد في الرياض (1417هـ) بتحقيق وتعليق العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ.
7 ـ "إبطال التنديد باختصار شرح التوحيد": للعلامة الشيخ حمد بن علي بن عتيق ـ رحمه الله ـ (ت: 1301هـ)، وأكثر ما فيه من "التيسير".
طبع بعناية الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق، بدار القرآن الكريم في بيروت (1400هـ)، وبدار الهداية في الرياض (1415هـ)، كما طبع باعتناء الشيخ سالم بن عايش القحطاني (1414هـ) نشر رمادي للنشر في الدمام.
8 ـ "القول السديد في مقاصد التوحيد" للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ) ـ رحمه الله ـ، وهو تعليق مختصر، وتوضيح لمقاصده، وقد حوى من غرر مسائل التوحيد، ومن التقاسيم والتفصيلات النافعة ما لا يستغني عنه الطلاب.
طبع بتحقيق صبري بن سلامة شاهين، بدار الثبات ـ الرياض.
9 ـ "الدر النضيد على أبواب التوحيد" للشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان ـ رحمه الله ـ (ت: 1397هـ)، استخرج فيه خلاصة ما ذكره شراح كتاب التوحيد قبله، مع ما من الله به عليه من الفوائد وتوضيح الشواهد، وتعقب صاحب "الفتح" و"التيسير".
طبع بتحقيق عبد الإله الشايع، نشرته دار الصميعي بالرياض.
10 ـ "حاشية كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي ـ رحمه الله ـ (ت: 1392هـ)، وهي حاشية مختصرة، منتخبة من أبرز الشروح قبله، مع ما استفاده من مشايخه.
وقد طبعت الطبعة الأولى (1396هـ) في المطابع الأهلية للأوفست بالرياض، ثم صورت.
11 ـ "القصد السديد على كتاب التوحيد" للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك ـ رحمه الله ـ (ت: 1376هـ).
نشرته دار الصميعي بالرياض سنة (1426هـ) بتحقيق عبد الإله الشايع.
12 ـ "الجديد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ محمد بن عبد العزيز السليمان القرعاوي، وهو شرح يتناسب مع ظروف أهل هذا العصر، وضعف هممهم، على طريقة المتأخرين.
وقد طبع الطبعة الأولى سنة (1393هـ) في مطابع نجد التجارية نشره محمد بن إبراهيم المهوس صاحب مكتبة التوفيق بالرياض.
13 ـ "الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة في علم التوحيد" للشيخ عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله ـ رحمه الله ـ (ت: 1414هـ)، وهو شرح متوسط على طريقة السؤال والجواب، وقد طبع في مطابع الإشعاع بالرياض الطبعة الأولى سنة (1404هـ).
14 ـ "الدر النضيد على كتاب التوحيد" للشيخ سعيد بن عبد العزيز الجندول ـ رحمه الله ـ، وطريقته فيه أنه يذكر بعد كل باب الهدف منه، ثم يشرح نصوصه، وخلاصة ما تقدم غالبًا بطريقة ميسرة، وقد طبع مرتين الطبعة الثانية سنة (1394هـ).
15 ـ "إفادة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حمد بن محمد الجطيلي ـ رحمه الله ـ (ت: 1406هـ)، وهو شرح على طريقة المتأخرين، وقد طبع الطبعة الأولى سنة (1400هـ) نشرته دار اللواء للنشر والتوزيع بالرياض.
16 ـ "التعليق المفيد على كتاب التوحيد" لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ (ت: 1419هـ)، نشرته مكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة، وليس فيها تقديم سماحة الشيخ ولا إذنه بالطبع!!
17 ـ "القول المفيد على كتاب التوحيد" للعلامة الفقيه المفسر محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ (ت: 1421هـ).
نشرته دار ابن الجوزي باعتناء مؤسسة الشيخ الخيرية.
18 ـ "إعانة المستفيد" للشيخ صالح بن فوزان الفوزان ـ حفظه الله ـ.
نشرته مؤسسة الرسالة.
19 ـ "القول الموجز الممهد لتوحيد الخالق الممجد الذي ألفه شيخ الإسلام محمد" للشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي ـ رحمه الله ـ (ت: 1430هـ).
نشرته مكتبة الأصالة في جدة سنة (1427هـ) باعتناء حسن بن منصور الدغريري.
20 ـ "التمهيد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ.
وهو شرح مفرغ من (16) شريطا، وهو من أجود الشروح، وفيه تحقيق لمسائل مهمة في التوحيد.
طبع سنة (1423هـ) بدار التوحيد بالرياض.
21 ـ "السبك الفريد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ـ رحمه الله ـ (ت: 1430هـ).
نشرته مدار الوطن بالرياض سنة (1425هـ) باعتناء أبي أنس علي بن حسين أبو لوز.
ـ كتب حول "كتاب التوحيد":
1 ـ "التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد" للشيخ عبد الله بن محمد الدويش ـ رحمه الله ـ (ت: 1408هـ)، وهو شرح لمسائل الكتاب، وهو كتاب مفيد جدا لمعرفة مقاصد التوحيد.
وقد طبع ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ عبد الله الدويش (1/23)، نشر دار العليان في بريدة، كما طبع مفردًا في مطابع القصيم بالرياض دون تاريخ.
مختصرا من المقال المنشور من قبل.
وسأذكر ـ إن شاء الله ـ شرحين أو ثلاثة لبيان منهجها، وطريقتها في الشرح.
كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه ـ.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن (كتاب التوحيد) للشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ كتاب مهم، بين فيه المصنف أفراد التوحيد، وهو جدير أن نعنى به؛ لأنه مبني على آية وحديث، وقول واحد من السلف أحيانا.
وأذكر هنا تعريفا بالكتاب، ومنهج صاحبه فيه، وبعض شروحه.
فأقول مستعينا بالله:
ـ التعريف بالكتاب:
(كتاب التوحيد) الذي ألفه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ (ت: 1206) "كتاب عظيم النفع جدا، جدير بأن يعنى به عناية حفظ، ودرس وتأمل، فالعبد محتاج إليه للعمل به، ولتبليغ ما فيه من العلم لمن وراءه من الناس، سواء أكانوا في المسجد، أم في البيت، أم في مقر عمله، أم في جهة أخرى.والمقصود أن من فهم هذا الكتاب فقد فهم أكثر مسائل توحيد العبادة، بل يكون قد فهم جل مسائله وأغلبها". اهـ ["التمهيد": (ص ج)]
ـ أين ألفه الشيخ محمد؟
قال الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله ـ: "وهذا الكتاب صنفه إمام الدعوة ابتداء في البصرة لما رحل إليها، وكان الداعي إلى تأليفه ما رأى من شيوع الشرك بالله ـ جل جلاله ـ ومن ضياع مفهوم التوحيد الحق عند بعض المسلمين، وما رآه عندهم من مظاهر الشرك الأكبر، والأصغر، والخفي.
فابتدأ في البصرة جمع هذا الكتاب، وتحرير الدلائل لمسائله، ذكر ذلك تلميذه وحفيده الشيخ عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله ـ في "المقامات".
ثم إن الشيخ لما قدم نجدا حرر الكتاب وأكمله، فصار كتابه هذا ـ بحق ـ كتاب دعوة إلى التوحيد الحق". اهـ ["التمهيد": (ص ب)، وانظر: "عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي" للدكتور صال العبود (1/202)]
ـ موضوعات الكتاب:
ركز هذا الكتاب على توحيد العبادة، وهو توحيد الألوهية، والتحذير من الشرك الأكبر والأصغر، مع الكلام على توحيد الأسماء والصفات، وبيان الأدلة من الكتاب والسنة على خطر الشرك، وبيان ما بعث الله به رسله من التوحيد.
وقد بدأ المصنف ـ رحمه الله تعالى ـ هذا الكتاب ببيان توحيد العبادة؛ لأن أكثر الناس في زمانه قد جهلوا هذا التوحيد، ووقعوا في كثير من الأعمال والأقوال التي تنافيه، ثم ختم كتابه بتوحيد الأسماء والصفات ليكون هذا الكتاب شاملا لأنواع التوحيد الثلاثة". ["عناية العلماء بكتاب التوحيد": (ص 2]
قال الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق: "طراز جديد في تفهيم الناس مقاصد التوحيد؛ إذ جعله على أبواب دائرية تنداح كل دائرة بأوسع من أختها.
فالدائرة الأولى: هو معرفة التوحيد الذي بعث الله به أنبياءه ورسله.
والدائرة الثانية: تحقيق ذلك التوحيد.
والدائرة الثالثة: الخوف من الشرك بأنواعه.
والرابعة: حماية التوحيد.
والخامسة: حماية حمى التوحيد". [مقدمة "إبطال التنديد" بتحقيقه]
ـ منهج الشيخ محمد في كتابه:
قال الشيخ عبد المحسن العباد ـ حفظه الله ـ: "كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد هو أهم وأوسع كتب الشيخ ـ رحمه الله ـ في العقيدة، وقد اشتمل على ستة وستين بابا، أولها باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب، وآخرها باب ما جاء في قول الله تعالى: "وما قدروا الله قدر قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة" الآية".
"ومن منهجه في تأليفه:
1 ـ أن الكتاب من أوله إلى آخره يسوق فيه الشيخ الإمام آيات وأحاديث وآثارا عن سلف هذه الأمة، من الصحابة ومن بعدهم ممن سار على نهجهم وطريقتهم، وصنيعه هذا شبيه بصنيع الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه "الجامع الصحيح"، وعلى الأخص كتاب التوحيد الذي هو آخر الكتب في "صحيح البخاري"، فإن طريقة البخاري في ذلك أنه يورد آيات وأحاديث وآثارا.
وقد بلغت أبواب كتاب التوحيد من "صحيح البخاري" ثمانية وخمسين بابا، أولها: (باب ما جاء في دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى)، وقد أورد فيه حديث معاذ بن جبل في بيان حق الله على العباد وحق العباد على الله.
وعِدة أبواب كتاب التوحيد عند الإمام البخاري، وأبواب التوحيد عند الإمام محمد بن عبد الوهاب متقاربة، وهي في "الصحيح" ثمانية وخمسون، وعند الإمام محمد بن عبد الوهاب ستة وستون.
2 ـ أنه عند إيراده الآيات والأحاديث والآثار يقدم الآيات ثم الأحاديث ثم الآثار، إلا إذا كان الأثر متعلقا بآية أو بحديث، فإنه يقدمه من أجل ذلك التعلق.
3 ـ هذا الكتاب مشتمل على الآيات والأحاديث والآثار، وبذلك علا قدر الكتاب وارتفعت منزلته، وليس للشيخ ـ رحمه الله ـ فيه كلام إلا ما يورده في آخر كل باب من مسائل مستنبطة من الآيات والأحاديث والآثار، وهي تدل على قوة فهم الشيخ ـ رحمه الله ـ ودقة استنباطه، وفيها شحذ أذهان طلاب العلم في معرفة المواضع التي استنبطت منها هذه المسائل.
4 ـ أن أبواب هذا الكتاب متضمنة تقرير التوحيد، الذي هو إفراد الله بالعبادة، والتحذير مما ينافي أصل التوحيد، وهو الشرك بالله، أو ينافي كماله، وهو الشرك الأصغر والبدع، ومن أبواب "كتاب التوحيد" في تقرير التوحيد (باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)، و(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بلا حساب ولا عذاب)، و(باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله)، و(باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله).
ومن الأبواب فيما ينافي أصل التوحيد وهو الشرك، (باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره)، و(باب ما جاء في الذبح لغير الله)، و(باب من الشرك النذر لغير الله)، و(باب من الشرك الاستعاذة بغير الله)، و(باب قول الله تعالى: "أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا" الآية، و(باب قول الله تعالى: "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون").
ومن الأبواب فيما ينافي كمال التوحيد وهو البدع والشرك الأصغر: (باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين)، و(باب ما جاء من التغليظ فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح، فكيف إذا عبده؟!)، و(باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله)، و(باب ما جاء في حماية المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك)، و(باب قول: ما شاء الله وشئت)". اهـ ["منهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في التأليف" (ص 14)
ـ شروح "كتاب التوحيد":
1 ـ "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد": لحفيد المؤلف العالم العلامة المحدث الفقيه الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمه الله تعالى (ت: 1233هـ)، وهو أوّل شروح هذا الكتاب وأطولها، ولكنّه لم يكمل، فقد انتهت مبيضة الشارح إلى (باب من هزل بشيء فيه ذكر الله)، ووجد في مسودته إلى آخر (باب ما جاء في منكري القدر)، وهو الباب التاسع والخمسون من أبواب الكتاب، وقد طلب الناشر من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى إكمال شرح الأبواب السبعة الباقية فلم يتيسر له ذلك، فنقل الناشر ما تبقى من أبواب الكتاب مع شروحها من كتاب "فتح المجيد".
طبع الكتاب عدة مرات، ومن آخرها الطبعة التي حققها أبو عمر أسامة العتيبي، وفيها سقط وأخطاء استدرك بعضها في الطبعة الثانية التي قدم له فيها الشيخ العلامة عبد الله بن عقيل ـ حفظه الله ـ، نشرته دار الصميعي في مجلدين.
وسأذكر ما في هذه الطبعة في مقال لاحق ـ إن شاء الله ـ.
2 ـ "تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد": للشيخ عبد الهادي بن محمد بن عبد الهادي البكري العجيلي رحمه الله (ت: 1262هـ)، طبع بتحقيق ودراسة الشيخ حسن بن علي العواجي، نشر مكتبة أضواء السلف بالرياض (1419هـ) في مجلدين.
3 ـ "فتح الحميد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ عثمان بن منصور التميمي ـ رحمه الله ـ (ت: 1282هـ).
قال عنه الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ: "رأيت فيه من الدواهي والمنكرات ما لا يحصيه إلا الله".
طبع بتحقيق د.سعود بن عبد العزيز العريفي، ود.حسين بن الجليعب السعيدي، نشرته دار عالم الفوائد في أربعة أجزاء.
وقد نقلت شيئا ـ فيما سبق ـ عن مؤلفه، ووعدت بإكماله! أسأل الله التوفيق.
4 ـ "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد": للعلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ (ت: 1285هـ)، اختصره من "تيسير العزيز الحميد"، وزاد عليه.
وقد قام بتحقيقه والتعليق عليه الشيخ محمد حامد الفقي ـ رحمه الله ـ، وتعقبه سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ في مواضع من ذلك.
ونشرته دار الصميعي للنشر والتوزيع في الرياض (1415هـ) بتحقيق الدكتور الوليد بن عبد الرحمن آل فريان في مجلدين، ثم طبع في مجلد، وهذا التحقيق هو الأفضل لحد الآن.
5 ـ "قرة عيون الموحدين في تحقيق دعوة الأنبياء والمرسلين": للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ، وهي حاشية جليلة مفيدة نافعة اشتملت على مسائل مهمة في التوحيد لا توجد في غيرها، ولم يسمّها المؤلف بهذا الاسم، وإنما سمّاها ابنه العلامة الشيخ عبد اللطيف ـ رحمه الله ـ.
وأصح نشرة هي طبعة الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد سنة (1404هـ) بتحقيق الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري ـ رحمه الله ـ.
6 ـ "فتح الله الحميد المجيد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ حامد بن محمد بن حسن بن محسن ـ رحمه الله ـ.
نشرته دار المؤيد في الرياض (1417هـ) بتحقيق وتعليق العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد ـ رحمه الله ـ.
7 ـ "إبطال التنديد باختصار شرح التوحيد": للعلامة الشيخ حمد بن علي بن عتيق ـ رحمه الله ـ (ت: 1301هـ)، وأكثر ما فيه من "التيسير".
طبع بعناية الشيخ إسماعيل بن سعد بن عتيق، بدار القرآن الكريم في بيروت (1400هـ)، وبدار الهداية في الرياض (1415هـ)، كما طبع باعتناء الشيخ سالم بن عايش القحطاني (1414هـ) نشر رمادي للنشر في الدمام.
8 ـ "القول السديد في مقاصد التوحيد" للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ) ـ رحمه الله ـ، وهو تعليق مختصر، وتوضيح لمقاصده، وقد حوى من غرر مسائل التوحيد، ومن التقاسيم والتفصيلات النافعة ما لا يستغني عنه الطلاب.
طبع بتحقيق صبري بن سلامة شاهين، بدار الثبات ـ الرياض.
9 ـ "الدر النضيد على أبواب التوحيد" للشيخ سليمان بن عبد الرحمن الحمدان ـ رحمه الله ـ (ت: 1397هـ)، استخرج فيه خلاصة ما ذكره شراح كتاب التوحيد قبله، مع ما من الله به عليه من الفوائد وتوضيح الشواهد، وتعقب صاحب "الفتح" و"التيسير".
طبع بتحقيق عبد الإله الشايع، نشرته دار الصميعي بالرياض.
10 ـ "حاشية كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم النجدي ـ رحمه الله ـ (ت: 1392هـ)، وهي حاشية مختصرة، منتخبة من أبرز الشروح قبله، مع ما استفاده من مشايخه.
وقد طبعت الطبعة الأولى (1396هـ) في المطابع الأهلية للأوفست بالرياض، ثم صورت.
11 ـ "القصد السديد على كتاب التوحيد" للشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك ـ رحمه الله ـ (ت: 1376هـ).
نشرته دار الصميعي بالرياض سنة (1426هـ) بتحقيق عبد الإله الشايع.
12 ـ "الجديد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ محمد بن عبد العزيز السليمان القرعاوي، وهو شرح يتناسب مع ظروف أهل هذا العصر، وضعف هممهم، على طريقة المتأخرين.
وقد طبع الطبعة الأولى سنة (1393هـ) في مطابع نجد التجارية نشره محمد بن إبراهيم المهوس صاحب مكتبة التوفيق بالرياض.
13 ـ "الجامع الفريد للأسئلة والأجوبة في علم التوحيد" للشيخ عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله ـ رحمه الله ـ (ت: 1414هـ)، وهو شرح متوسط على طريقة السؤال والجواب، وقد طبع في مطابع الإشعاع بالرياض الطبعة الأولى سنة (1404هـ).
14 ـ "الدر النضيد على كتاب التوحيد" للشيخ سعيد بن عبد العزيز الجندول ـ رحمه الله ـ، وطريقته فيه أنه يذكر بعد كل باب الهدف منه، ثم يشرح نصوصه، وخلاصة ما تقدم غالبًا بطريقة ميسرة، وقد طبع مرتين الطبعة الثانية سنة (1394هـ).
15 ـ "إفادة المستفيد بشرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الرحمن بن حمد بن محمد الجطيلي ـ رحمه الله ـ (ت: 1406هـ)، وهو شرح على طريقة المتأخرين، وقد طبع الطبعة الأولى سنة (1400هـ) نشرته دار اللواء للنشر والتوزيع بالرياض.
16 ـ "التعليق المفيد على كتاب التوحيد" لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ـ رحمه الله ـ (ت: 1419هـ)، نشرته مكتبة التراث الإسلامي بالقاهرة، وليس فيها تقديم سماحة الشيخ ولا إذنه بالطبع!!
17 ـ "القول المفيد على كتاب التوحيد" للعلامة الفقيه المفسر محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ (ت: 1421هـ).
نشرته دار ابن الجوزي باعتناء مؤسسة الشيخ الخيرية.
18 ـ "إعانة المستفيد" للشيخ صالح بن فوزان الفوزان ـ حفظه الله ـ.
نشرته مؤسسة الرسالة.
19 ـ "القول الموجز الممهد لتوحيد الخالق الممجد الذي ألفه شيخ الإسلام محمد" للشيخ العلامة أحمد بن يحيى النجمي ـ رحمه الله ـ (ت: 1430هـ).
نشرته مكتبة الأصالة في جدة سنة (1427هـ) باعتناء حسن بن منصور الدغريري.
20 ـ "التمهيد في شرح كتاب التوحيد" للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ.
وهو شرح مفرغ من (16) شريطا، وهو من أجود الشروح، وفيه تحقيق لمسائل مهمة في التوحيد.
طبع سنة (1423هـ) بدار التوحيد بالرياض.
21 ـ "السبك الفريد شرح كتاب التوحيد" للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ـ رحمه الله ـ (ت: 1430هـ).
نشرته مدار الوطن بالرياض سنة (1425هـ) باعتناء أبي أنس علي بن حسين أبو لوز.
ـ كتب حول "كتاب التوحيد":
1 ـ "التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد" للشيخ عبد الله بن محمد الدويش ـ رحمه الله ـ (ت: 1408هـ)، وهو شرح لمسائل الكتاب، وهو كتاب مفيد جدا لمعرفة مقاصد التوحيد.
وقد طبع ضمن مجموعة مؤلفات الشيخ عبد الله الدويش (1/23)، نشر دار العليان في بريدة، كما طبع مفردًا في مطابع القصيم بالرياض دون تاريخ.
مختصرا من المقال المنشور من قبل.
وسأذكر ـ إن شاء الله ـ شرحين أو ثلاثة لبيان منهجها، وطريقتها في الشرح.
كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه ـ.