قطع النزاع بنقل الإجماع على جواز القراءة (بكيفيات) القرَّاء المعتمدة والمختلفة ودفع القول ببدعيتها
أنقل هذه النقول من كلام الإمام الفحل أحمد ابن تيميَّة الحراني -رحمه الله- بعدما وجدت من يقول ببدعية القراءة بتلك الأحكام التجويدية!! وهو قول محدثٌ مردود!، فكيف لعاقل أن يظن بالأمة هذا الظن فيقع في عقله أنَّ العلماء والقراء والفقهاء منذ اثني عشر قرنًا يتلاعبون بألفاظ القرآن "بغنة" و" إقلاب" و"إخفاء" و"مد" و"إشمام" و"إمالة" ويفعلون هذا في صلواتهم أمام ربهم ، يحرفون الكلم عن مواضعه دون نكير ولا نذير، أف لمقالة لوازمها ظاهرة البطلان، وأقلها إبطال صلوات الناس للتلاعب بآيات القرآن فكيف يصح له إخفاء حرف في كتاب الله وإدغام آخر وقلب ثالث لحرف آخر!، فدفعني ذلك لنقل هذه النقول باختصار شديد ودون تعليق وحسبنا الله ونعم الوكيل:
1- قال ابن تيمية رحمه الله:
وَإِنَّمَا يَتَنَوَّعُ صِفَةُ النُّطْقِ بِهِ كَالْهَمَزَاتِ وَالْمَدَّاتِ وَالْإِمَالَاتِ وَنَقْلِ الْحَرَكَاتِ وَالْإِظْهَارِ وَالْإِدْغَامِ وَالِاخْتِلَاسِ وَتَرْقِيقِ اللَّامَّاتِ وَالرَّاءَاتِ أَوْ تَغْلِيظِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تُسَمَّى الْقِرَاءَاتِ الْأُصُولَ , فَهَذَا أَظْهَرُ وَأَبْيَنُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ وَلَا تَضَادٌّ , مِمَّا تَنَوَّعَ فِيهِ اللَّفْظُ أَوْ الْمَعْنَى , إذْ هَذِهِ الصِّفَاتُ الْمُتَنَوِّعَةُ فِي أَدَاءِ اللَّفْظِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَفْظًا وَاحِدًا , وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ فِيمَا اخْتَلَفَ لَفْظُهُ وَاتَّحَدَ مَعْنَاهُ , أَوْ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ مِنْ الْمُتَرَادِفِ وَنَحْوِهِ , وَلِهَذَا كَانَ دُخُولُ هَذَا فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْحُرُوفِ السَّبْعَةِ الَّتِي أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَيْهَا , مِمَّا يَتَنَوَّعُ فِيهِ اللَّفْظُ أَوْ الْمَعْنَى وَإِنْ وَافَقَ رَسْمَ الْمُصْحَفِ , وَهُوَ مَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النَّقْطُ أَوْ الشَّكْلُ . وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَنَازَعْ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ الْمَتْبُوعِينَ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُقْرَأَ بِهَذِهِ الْقِرَاءَاتِ الْمُعَيَّنَةِ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ , بَلْ مَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ شَيْخِ حَمْزَةَ , أَوْ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيِّ , وَنَحْوِهِمَا , كَمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِهَا بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ الْمَعْدُودِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ , بَلْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا قِرَاءَةَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ , وَغَيْرُهُمْ يَخْتَارُونَ قِرَاءَةَ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ الْقَعْقَاعِ , وَشَيْبَةَ بْنِ نَصَّاحٍ الْمَدَنِيَّيْنِ , وَقِرَاءَةَ الْبَصْرِيِّينَ كَشُيُوخِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ , وَغَيْرِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةُ , وَالْكِسَائِيُّ . وَلِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ , وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ الَّذِينَ ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ قِرَاءَاتُ الْعَشَرَةِ أَوْ الْأَحَدَ عَشَرَ كَثُبُوتِ هَذِهِ السَّبْعَةِ يَجْمَعُونَ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ وَيَقْرَءُونَهُ فِي الصَّلَاةِ , وَخَارِجَ الصَّلَاةِ , وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ . وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَمَنْ نَقَلَ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى ابْنِ شَنَبُوذٍ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ بِالشَّوَاذِّ فِي الصَّلَاةِ فِي أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَجَرَتْ لَهُ قَضِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْقِرَاءَاتِ الشَّاذَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْمُصْحَفِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ : وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قِرَاءَةَ الْعَشَرَةِ , وَلَكِنْ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا أَوْ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَهُ كَمَنْ يَكُونُ فِي بَلَدٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِالْمَغْرِبِ أَوْ غَيْرِهِ , وَلَمْ يَتَّصِلْ بِهِ بَعْضُ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ إلَّا بِعِلْمِهِ فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ كَمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ سُنَّةٌ يَأْخُذُهَا الْآخِرُ عَنْ الْأَوَّلِ , كَمَا أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِفْتَاحَاتِ فِي الصَّلَاةِ ا.هــ مج 13\392-394.
2- فهذه الأوجه في الكيفيات نقلها هؤلاء عن الصحابة على اختلاف لهجاتهم وإن لم ينطق بها النبي -صلى الله عليه وسلم -كلها، قال ابن تيمية رحمه الله:
وأما كيفيات الأداء مثل تليين الهمزة، ومثل الإمالة والإدغام، فهذه مما يسوغُ للصحابة أن يقرأوا فيها بلغاتهم، لا يجب أن يكون النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلفَّظ بهذه الوجوه المتنوعة كلها، بل القطع بانتفاء هذا أولى من القطع بثبوته. ا.هــ جامع المسائل 1-113
3- فهذه الكيفيات داخلة ضمن لغات العرب ولذا إنما أنكر بعض السلف صورًا منها لمَّا كانت لا تُعرف عن العرب فقال الفضل بن زياد : إنَّ رجلا قال لأبي عبدالله : فما أترك من قراءته قال : الإدغام والكسر ليس يعرف في لغة من لغات العرب ا.هـ
لذا فالقول ببدعية هذه الكيفيات لبعيدٌ عن كلام العلماء ، ولو ذهب القائل للاستحباب فقط أو الجواز! لقبلنا لكن (بدعة) هذا يحتاج إلى تأمل وتفكر والله المستعان والحمدلله رب العالمين والله أعلم
تعليق