زيادات لا أصل لها في أدعية مأثورة
لا يخفى فضل الأذكار النبويةِ والأدعيةِ المأثورةِ التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه و سلم ويعلِّمُها أصحابَه؛ وكمالُها في مبانيها ومعانيها، واشتمالُها على جوامع الخير وفواتحِه وخواتِمِه، كما قالت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها: ((كان النبيُّ صلى الله عليه و سلم يُعجبُه الجوامعُ من الدعاءِ، ويدع ما بين ذلك))، رواه أبو داود في "سننه" (1482)، والإمام أحمد في "مسنده" (25151)، وابن حبان في "صحيحه" (867).
وروى الإمام أحمد في "المسند" (4160) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم عُلِّم فواتحَ الخيـر وجوامعَه وخواتِمَه».
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فإنَّه صلى الله عليه و سلمأُعطي جوامع الكلم، وخُصَّ ببدائع الحكَم، كما في "صحيح البخاري" (7013)، و"مسلم" (523) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: ((بُعثتُ بجوامع الكَلِم))، زاد البخاري: قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: ((جوامع الكلم فيما بلغنا أنَّ الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تُكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك)) اهـ.
أي أنَّه صلى الله عليه و سلم كان يتكلَّم بالكلام الموجَزِ القليلِ اللفظ، الكثير المعاني، وهكذا الشأن في أذكاره وأدعيته صلوات الله وسلامه عليه، كان يُعجبه من ذلك جوامع الذِّكر والدعاء ويدع ما بين ذلك.
وقد كان النبيَّ صلى الله عليه و سلم كان يُعلِّم أصحابه الدعاء كما يُعلِّمهم السورةَ من القرآن الكريم، وكان الصحابةَ رضي الله عنهم يطلبون منه أن يعلِّمهم دعاءً يدعون به مع أنَّهم كانوا أهلَ علمٍ وفصاحةٍ، وكان صلى الله عليه و سلم يُصوِّبُ من يخطئ منهم ولو في لفظ واحد من ألفاظ الذِّكر والدعاء.
فالواجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يعرف عِظَمَ قدر الأدعيةِ النبوية ورفيع مكانتها وأنَّها مشتملةٌ على مجامع الخير وأبواب السعادةِ ومفاتيح الفلاح في الدنيا والآخرة، فخيرُ السؤال أن يسألَ المسلمُ ربَّه مِن خير ما سأله منه عبدُه ورسولُه صلى الله عليه و سلم ، وأفضلُ الاستعاذة أن يستعيذ بالله من شرِّ ما استعاذ منه عبدُ الله ورسولُه صلى الله عليه و سلم ، وأن يحذر من الزيادة والاستدراك على الدعوات المأثورة عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم بإضافة كلمة يستحسنها أو زيادة جملة يستجودها، وفيما يلي ذكر لبعض النماذج لما هو شائع من هذا القبيل.
1ـ قول: يا مقلب القلوب والأبصار.
وقد ثبت هذا الدعاء مرفوعاً إلى النبي عن غير واحد من الصّحابة بدون زيادة (والأبصار) منها: ما رواه الترمذي في جامعه (2140) والإمام أحمد في مسنده (12107) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول: ((يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك)). قال الترمذي: وفي الباب عن النواس بن سمعان، وأمِّ سلمة، وعبيد الله بن عمرو، وعائشة رضي الله عنهم.
ولعلّ من زاده أخذه من قوله تعالى {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] ومقام الآية مقامٌ آخر إذ هي في بيان عقوبة الله للمشركين بتقليب القلوب وجعل الغشاوة على الأبصار والحيلولة بينهم وبين الإيمان وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم.
2ـ قول: لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقلّ من ذلك.
روى أبو داود في سننه (5090) والإمام أحمد في مسنده (20702) وابن حبان في صحيحه (970) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:((دعوات المكروب اللّهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لى شأنى كله لا إله إلا أنت)).
فزيادة (ولا أقل من ذلك) لا أصل لها في هذا الحديث، والمقصود من ذكر طرفة العين بيان الافتقار الشديد إلى الله عزّ وجل وعدم استغناء العبد عنه في أي لحظة مهما قلت.
3ـ قول: من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه و سلم ، وعبادك الصالحون، وكذا في التعوّذ.
روى الإمام أحمد في مسنده (25137، 2513 والحاكم في مستدركه (1/522) وصحّحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلمفأراد أن يكلمه وعائشة تصلي فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((عليكِ بالجوامع الكوامل)) فلما انصرفت عائشة سألته عن ذلك فقال لها: ((قولي اللهمّ إنى أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرّ كلّه عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنّة وما قرَّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأسألك من الخير ما سألك عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه و سلم ، وأستعيذك مما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه و سلم، وأسألك ما قضيت لي من أمر ان تجعل عاقبتَه رَشَداً)).
فزيادة (وعبادك الصالحون) في السؤال والتعوّذ استدراك على هذا الدعاء الجامع الكامل؛ ومن المعلوم أن الصالحين من عباد الله ليس عندهم مطالب في أدعيتهم زائدة عن المأثور عنه صلى الله عليه و سلم ، إذ دعواته عليه الصلاة والسلام حوت الخير كله والفضل أجمعه.
4ـ قول: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو.
روى الترمذي (3513) وصحّحه وابن ماجه (3850) والإمام أحمد (25423) والحاكم (1/530) وصحّحه عن عائشة رضي الله عنه قالت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو ؟ قال: (( تقولين: اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عني )).
والكريم اسم من أسماء الله الحسنى، لكن لم يثبت في هذا الموضع ولا أصل له في هذا الحديث، كما قرره الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه "تصحيح الدعاء" (ص506).
ووجودها مثبتة في بعض طبعات الترمذي زيادة من بعض النساخ أو الطابعين فيما يظهر، قال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (7/1011ـ1012): ((وقع في "سنن الترمذي" بعد قوله: "عفو" زيادة: "كريم "! ولا أصل لها في شيء من المصادر المتقدمة، ولا في غيرها ممن نقل عنها، فالظاهر أنها مدرجة من بعض الناسخين أو الطابعين؛ فإنها لم ترد في الطبعة الهندية من " سنن الترمذي " التي عليها شرح "تحفة الأحوذي " للمباركفوري (4/ 264)، ولا في غيرها. وإن مما يؤكد ذلك: أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق التي أخرجها الترمذي، كلاهما عن شيخهما (قتيبة بن سعيد) بإسناده دون الزيادة)).
وليست مثبتة في "جامع الترمذي" بتحقيق بشار عواد.
5ـ قول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام.
روى مسلم في صحيحه (591) عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: ((اللّهمّ أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
وروى أيضاً (592) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا سلّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول:((اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه "تصحيح الدعاء" (ص431): ((وأما زيادة لفظ (وتعاليت) بعد لفظ ((تباركت))فلا تثبت في هذا الحديث، وهي ثابتة في دعاء القنوت ((اللهم اهدنا فيمن هديت... تباركت وتعاليت)) وفي دعاء الاستفتاح بلفظ: ((سبحانك اللهم وبحمدك...وتعالى جدك)).
6ـ قول: أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.
قد ثبت في السنة صيغ كثيرة للاستغفار ليس في شيء منها التقييد بالذنب العظيم، بل صحّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول في سجوده: ((اللّهم اغفر لي ذنبي كلَّه دقَّه وجِلَّه وأوَّله وآخره وعلانيته وسرَّه)). رواه مسلم (483) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وروى أيضاً (2719) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يدعو بهذا الدّعاء: ((اللّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير)).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام": ((ومعلوم أنه لو قيل اغفر لي كلّ ما صنعت كان أوجز ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدّعاء والتضرع وإظهار العبودية والافتقار واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار)) اهـ.
فكيف بمن يقصر طلب المغفرة على الذنب العظيم؟!.
7ـ قول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار. بين الركن اليماني والحجر الأسود.
فزيادة (وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار) لا أصل لها، كما قرره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاواه (22/332)، وفي كتابه "الشرح الممتع" (7/24).
والثابت من دعائه صلى الله عليه و سلم في هذا الموضع إلى قوله: ((... وقنا عذاب النار))، روى أبو داود والإمام أحمد وابن حبان وغيرهم عن عبد الله بن السائب قال: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول بين الركن والحجر: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)).
وقد كان هذا أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ، كما ثبت في صحيح مسلم (2690) عن قتادة أنه سأل أنس بن مالك رضي الله عنه: أيُّ دعوة كان يدعو بها النبيُّ صلى الله عليه و سلم أكثر ؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: ((اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) قال قتادة: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه. وليس فيه هذه الزيادة.
ومثل هذا كثيرٌ في واقع الناس وحالهم، واكتفيت ببعض الأمثلة تنبيهاً على نظائرها. واقتصرت على ما لا أصل في السنة دون ما كان مروياً بأسانيد ضعيفة أو مختلف في ثبوتها، والله وحده ولي التوفيق والسّداد.
الموقع الرسمي للشيخ
لا يخفى فضل الأذكار النبويةِ والأدعيةِ المأثورةِ التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه و سلم ويعلِّمُها أصحابَه؛ وكمالُها في مبانيها ومعانيها، واشتمالُها على جوامع الخير وفواتحِه وخواتِمِه، كما قالت أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها: ((كان النبيُّ صلى الله عليه و سلم يُعجبُه الجوامعُ من الدعاءِ، ويدع ما بين ذلك))، رواه أبو داود في "سننه" (1482)، والإمام أحمد في "مسنده" (25151)، وابن حبان في "صحيحه" (867).
وروى الإمام أحمد في "المسند" (4160) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم عُلِّم فواتحَ الخيـر وجوامعَه وخواتِمَه».
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فإنَّه صلى الله عليه و سلمأُعطي جوامع الكلم، وخُصَّ ببدائع الحكَم، كما في "صحيح البخاري" (7013)، و"مسلم" (523) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: ((بُعثتُ بجوامع الكَلِم))، زاد البخاري: قال الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: ((جوامع الكلم فيما بلغنا أنَّ الله يجمع له الأمور الكثيرة التي كانت تُكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ونحو ذلك)) اهـ.
أي أنَّه صلى الله عليه و سلم كان يتكلَّم بالكلام الموجَزِ القليلِ اللفظ، الكثير المعاني، وهكذا الشأن في أذكاره وأدعيته صلوات الله وسلامه عليه، كان يُعجبه من ذلك جوامع الذِّكر والدعاء ويدع ما بين ذلك.
وقد كان النبيَّ صلى الله عليه و سلم كان يُعلِّم أصحابه الدعاء كما يُعلِّمهم السورةَ من القرآن الكريم، وكان الصحابةَ رضي الله عنهم يطلبون منه أن يعلِّمهم دعاءً يدعون به مع أنَّهم كانوا أهلَ علمٍ وفصاحةٍ، وكان صلى الله عليه و سلم يُصوِّبُ من يخطئ منهم ولو في لفظ واحد من ألفاظ الذِّكر والدعاء.
فالواجبُ على كلِّ مسلمٍ أن يعرف عِظَمَ قدر الأدعيةِ النبوية ورفيع مكانتها وأنَّها مشتملةٌ على مجامع الخير وأبواب السعادةِ ومفاتيح الفلاح في الدنيا والآخرة، فخيرُ السؤال أن يسألَ المسلمُ ربَّه مِن خير ما سأله منه عبدُه ورسولُه صلى الله عليه و سلم ، وأفضلُ الاستعاذة أن يستعيذ بالله من شرِّ ما استعاذ منه عبدُ الله ورسولُه صلى الله عليه و سلم ، وأن يحذر من الزيادة والاستدراك على الدعوات المأثورة عن النبيِّ صلى الله عليه و سلم بإضافة كلمة يستحسنها أو زيادة جملة يستجودها، وفيما يلي ذكر لبعض النماذج لما هو شائع من هذا القبيل.
1ـ قول: يا مقلب القلوب والأبصار.
وقد ثبت هذا الدعاء مرفوعاً إلى النبي عن غير واحد من الصّحابة بدون زيادة (والأبصار) منها: ما رواه الترمذي في جامعه (2140) والإمام أحمد في مسنده (12107) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول: ((يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك)). قال الترمذي: وفي الباب عن النواس بن سمعان، وأمِّ سلمة، وعبيد الله بن عمرو، وعائشة رضي الله عنهم.
ولعلّ من زاده أخذه من قوله تعالى {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:110] ومقام الآية مقامٌ آخر إذ هي في بيان عقوبة الله للمشركين بتقليب القلوب وجعل الغشاوة على الأبصار والحيلولة بينهم وبين الإيمان وعدم التوفيق لسلوك الصراط المستقيم.
2ـ قول: لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقلّ من ذلك.
روى أبو داود في سننه (5090) والإمام أحمد في مسنده (20702) وابن حبان في صحيحه (970) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:((دعوات المكروب اللّهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لى شأنى كله لا إله إلا أنت)).
فزيادة (ولا أقل من ذلك) لا أصل لها في هذا الحديث، والمقصود من ذكر طرفة العين بيان الافتقار الشديد إلى الله عزّ وجل وعدم استغناء العبد عنه في أي لحظة مهما قلت.
3ـ قول: من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه و سلم ، وعبادك الصالحون، وكذا في التعوّذ.
روى الإمام أحمد في مسنده (25137، 2513 والحاكم في مستدركه (1/522) وصحّحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنّ أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلمفأراد أن يكلمه وعائشة تصلي فقال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((عليكِ بالجوامع الكوامل)) فلما انصرفت عائشة سألته عن ذلك فقال لها: ((قولي اللهمّ إنى أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشرّ كلّه عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنّة وما قرَّب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأسألك من الخير ما سألك عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه و سلم ، وأستعيذك مما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه و سلم، وأسألك ما قضيت لي من أمر ان تجعل عاقبتَه رَشَداً)).
فزيادة (وعبادك الصالحون) في السؤال والتعوّذ استدراك على هذا الدعاء الجامع الكامل؛ ومن المعلوم أن الصالحين من عباد الله ليس عندهم مطالب في أدعيتهم زائدة عن المأثور عنه صلى الله عليه و سلم ، إذ دعواته عليه الصلاة والسلام حوت الخير كله والفضل أجمعه.
4ـ قول: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو.
روى الترمذي (3513) وصحّحه وابن ماجه (3850) والإمام أحمد (25423) والحاكم (1/530) وصحّحه عن عائشة رضي الله عنه قالت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو ؟ قال: (( تقولين: اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحبُّ العفو فاعفُ عني )).
والكريم اسم من أسماء الله الحسنى، لكن لم يثبت في هذا الموضع ولا أصل له في هذا الحديث، كما قرره الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه "تصحيح الدعاء" (ص506).
ووجودها مثبتة في بعض طبعات الترمذي زيادة من بعض النساخ أو الطابعين فيما يظهر، قال الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (7/1011ـ1012): ((وقع في "سنن الترمذي" بعد قوله: "عفو" زيادة: "كريم "! ولا أصل لها في شيء من المصادر المتقدمة، ولا في غيرها ممن نقل عنها، فالظاهر أنها مدرجة من بعض الناسخين أو الطابعين؛ فإنها لم ترد في الطبعة الهندية من " سنن الترمذي " التي عليها شرح "تحفة الأحوذي " للمباركفوري (4/ 264)، ولا في غيرها. وإن مما يؤكد ذلك: أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق التي أخرجها الترمذي، كلاهما عن شيخهما (قتيبة بن سعيد) بإسناده دون الزيادة)).
وليست مثبتة في "جامع الترمذي" بتحقيق بشار عواد.
5ـ قول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام.
روى مسلم في صحيحه (591) عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: ((اللّهمّ أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
وروى أيضاً (592) عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا سلّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول:((اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه "تصحيح الدعاء" (ص431): ((وأما زيادة لفظ (وتعاليت) بعد لفظ ((تباركت))فلا تثبت في هذا الحديث، وهي ثابتة في دعاء القنوت ((اللهم اهدنا فيمن هديت... تباركت وتعاليت)) وفي دعاء الاستفتاح بلفظ: ((سبحانك اللهم وبحمدك...وتعالى جدك)).
6ـ قول: أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم.
قد ثبت في السنة صيغ كثيرة للاستغفار ليس في شيء منها التقييد بالذنب العظيم، بل صحّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يقول في سجوده: ((اللّهم اغفر لي ذنبي كلَّه دقَّه وجِلَّه وأوَّله وآخره وعلانيته وسرَّه)). رواه مسلم (483) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وروى أيضاً (2719) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يدعو بهذا الدّعاء: ((اللّهمّ اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير)).
قال العلامة ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام": ((ومعلوم أنه لو قيل اغفر لي كلّ ما صنعت كان أوجز ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدّعاء والتضرع وإظهار العبودية والافتقار واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلا أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار)) اهـ.
فكيف بمن يقصر طلب المغفرة على الذنب العظيم؟!.
7ـ قول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار. بين الركن اليماني والحجر الأسود.
فزيادة (وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار) لا أصل لها، كما قرره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتاواه (22/332)، وفي كتابه "الشرح الممتع" (7/24).
والثابت من دعائه صلى الله عليه و سلم في هذا الموضع إلى قوله: ((... وقنا عذاب النار))، روى أبو داود والإمام أحمد وابن حبان وغيرهم عن عبد الله بن السائب قال: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول بين الركن والحجر: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)).
وقد كان هذا أكثر دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ، كما ثبت في صحيح مسلم (2690) عن قتادة أنه سأل أنس بن مالك رضي الله عنه: أيُّ دعوة كان يدعو بها النبيُّ صلى الله عليه و سلم أكثر ؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: ((اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)) قال قتادة: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها فإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه. وليس فيه هذه الزيادة.
ومثل هذا كثيرٌ في واقع الناس وحالهم، واكتفيت ببعض الأمثلة تنبيهاً على نظائرها. واقتصرت على ما لا أصل في السنة دون ما كان مروياً بأسانيد ضعيفة أو مختلف في ثبوتها، والله وحده ولي التوفيق والسّداد.
الموقع الرسمي للشيخ