بسم الله الرحمن الرحمن
كفى بالمرأة شرفا أن يكون العلم لها وصفا
كفى بالمرأة شرفا أن يكون العلم لها وصفا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين- .. وبعد:
فلا يخفى على كل ذي لب أهمية العلم الشرعي في حياة المسلم والمسلمة، فهو المطية الموصلة لغاية عظيمة خلق لأجلها الخلق، ألا وهي تحقيق عبودية الله -جل وعلا- في هذه الحياة الدنيا؛ ولقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على تأكيد فرضية العلم، فقال -تعالى- : {فاعلم أنه لا إله إلا الله} الآية.
فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، ليبيّن قيمة العلم، وعدم تهوينه والتساهل في طلبه.
وجاء أيضا في السنة المطهرة بيان وجوبه فقال -عليه الصلاة والسلام-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني].
وهذا الحديث يشمل الرجال والنساء على حد سواء لا فرق بينهما في تحصيل العلم الشرعي، وكما هو معلوم أن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص، ويصدق هذا القول حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما النساء شقائق الرجال" [صحيح الجامع الصغير] فهن شقائق الرجال في جميع الأحكام الشرعية إلا ما خصه الدليل كما ذكرنا.
فمن هنا تظهر أهمية العلم في حياة المرأة المسلمة؛ وقد تفطنت الصحابيات الجليلات في عهد النبوة لحاجتهن إلى العلم الشرعي مثلهن في ذلك مثل الرجال، فطلبن من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يخصص لهن يوما يجتمعن فيه يعلمهن مما علمه الله، هذا مع قيام أزواجهن بمهمة التبيلغ؛ فعن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: "اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا" فاجتمعن فأتاهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلمهن مما علمه الله.." [رواه البخاري ومسلم].
فأقرهن النبي -صلى الله عليه وسلم- على طلب العلم والتعلم، واعتنى بهن، وكان -عليه الصلاة والسلام- حريصا على تبليغهن أحكام الشريعة ليتمكن من عبادة الله -عز وجل- على أكمل وجه، ولا سبيل لذلك إلا بالعلم.
وللإمام ابن باديس -السلفي الجزائري-رحمه الله تعالى- كلام نفيس في هذا المقام، يقول فيه: "كان الرجال يلازمون النبي -صلى الله عليه وسلم- فيحيطون به للتعلم، فلا يستطيع النساء مزاحمتهم عليه، وكن يجلسن في آخر صفوف المسجد، فإذا تحدث النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بالعلم بعد الصلاة لا يتمكن من كمال السماع، وكانت لهن رغبة في العلم مثل الرجال، إذ كلهن يعلمن أنهن مكلفات بأحكام الشريعة مثلهم، لذا سألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعيّن لهن يوما باختياره هو يخصصهن به، فأجابهن إلى ما طلبن، ووعدهن يوما بعينه، ووفى لهن بوعده، فلقيهن في ذلك اليوم وحدثهن، فوعظهن وأمرهن بأشياء مما عليهن من أمر الدين...".
فإذا كان هذا حال الصحابيات في القرون المفضلة، وقد شعرن -رضي الله عنهن- بحاجتهن إلى العلم، فما بال حال نسائنا في هذا الزمان؛ فهذه حقيقة لا بد أن تدركها النساء والأمهات والآباء والمجتمع بأسره، لأنه أصبح حاجتها إلى العلم أعظم من حاجتها إلى الطعام والشراب؛ وهذا ما ذكره الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- قال: "الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه في كل وقت".
وإننا نتعجب والله اليوم من أناس يثبّطون النساء عن طلب العلم، أو يزهدونهن في التحصيل العلمي، بل وينصحونهن بالاكتفاء بالطهارة وبعض مسائل الفقه التي لا بد منها؛ وكأن لسان حالهم يقول أن ميادين العلم الشرعي هي من اختصاص الرجال؛ فإني أقول لهؤلاء أن باستطاعة المرأة أن تنافس الرجل في كل علم وفن، وقد تفوق الرجال في سعة العلم والاطلاع؛ وقد سجّل التاريخ بالدليل والبرهان، كما جاء في بطون كتب السير خلال القرون الذهبية، أنه وجد من النساء من كن عالمات زاهدات، وشيخات فاضلات، بل ومحدثات حافظات، تتلمذ على أيديهن فحول العلماء من الرجال؛ وعلى رأسهن أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن وأرضاهن- اللواتي كن مرجعا في شتى العلوم، يدلين من نبعهن السيّال ما نفع الله به الأمة بأسرها.
فما بال أقوام، يحطون من شأن طالبة العلم، لا لشيء إلا لأنها طالبة علم!!! فكفى بالمرأة عزاً وشرفاً أن يكون العلم لها نعتاً ووصفاً.
ألا يعلم هؤلاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اظفر بذات الدين تربت يداك" فنبئوني يا أولي الألباب هل تديّن المرأة يكون بغير علم؟!
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه.." [صحيح الترغيب والترهيب].
ولست أقصد -حتى لا يفهم عني خطأ- أني بهذا الكلام ألزم النساء بتعلم العلوم الشرعية الكفائية، فهذه لا تجب على الرجل إذا قام به غيره؛ فضلا عن النساء؛ ولكنها زيادة خير وفضل، وعوناً لها على فهم النصوص الشرعية من الكتاب والسنة.
وقد صدق الإمام ابن باديس -رحمه الله تعالى- حين قال: "لماذا تعاقب المرأة بعلمها؟ هل العلم ورد صفاء للرجال، ومنهل كدر للنساء؟ هل له تأثيران: حسن على فكر الذكور، قبيح على فكر الإناث؟".
ولا أبالغ إن قلت أن طلب العلم للمرأة أوكد في حقها من الرجال، لعظم المسؤولية المناطة بها, لقوله -عليه الصلاة والسلام-: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" [رواه البخاري]، فإنه -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث أجمل أولا ثم فصل، فقال: "كلكم راع" ثم خصص المرأة بالذكر فقال: "والمرأة راعية على بيت زوجها وولده" للتنبيه على عظم مسؤولياتها في بيت الزوجية؛ فهي مسؤولة عن أعز ما يملك الرجل وهو العرض والمال والأبناء؛ ولا يتأتى لها ذلك إلا بالعلم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاثة من السعادة وثلاثة من الشقاء، فمن السعادة: المرأة الصالحة تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك.." [صحيح الجامع الصغير].
فالمرأة هي المدرسة الأولى لتكوين الرجال، ولا بد لهذه المهام من عدة كما قال الشاعر:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق
قال العلامة ابن العثيمين -رحمه الله تعالى- : "...أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء، وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع.
مقومات إصلاح المرأة في المجتمع: لكي تتحقق أهمية المرأة في إصلاح المجتمع، لا بد للمرأة من مؤهلات أو مقومات لتقوم بمهمتها في الإصلاح.. وإليكم جانباً من هذه المقومات:
المقوم الأول: صلاح المرأة: أن تكون المرأة نفسها صالحة، لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها، ولكن كيف تصل المرأة إلى الصلاح؟ لتعلم كل امرأة أنها لن تصل إلى الصلاح إلا بالعلم، وما أعنيه هو العلم الشرعي الذي تتلقاه، إما من بطون الكتب -إن أمكنها ذلك- وإما من أفواه العلماء، سواء أكان هؤلاء العلماء من الرجال أو النساء.... إذن فلا بد لصلاح المرأة من العلم، لأنه لا صلاح إلا بالعلم".
إذاً بقدر ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقها بقدر حاجتها إلى العلم الكافي الوافي، لحفظ الأمانة المسؤولة عنها يوم القيامة.
فالعلم العلم أختي المسلمة، اجتهدي في تحصيله بكل الوسائل النافعة الميسرة في هذا الزمان، فهو سبيل الخير وسفينة النجاة في الدنيا والآخرة، فما أعطي عبد خير عطاء من العلم.
وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" معنى ذلك: من لم يرد الله به خيرا لا يفقهه في الدين.
والحديث هو للرجال والنساء كما سبق بيانه، فانتبهي أختي المسلمة بارك الله فيك.
رزقنا الله العلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
وكتبته أختكم أم أمامة الأثرية.
تعليق