الركائز العشر للتحصيل
العلمي
تأليف
الشيخ : عبد الله صلفيق الظفيري
تقديم فضيلة الشيخ : أحمد بن يحيى النجمي
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة فضيلة الشيخ / أحمد بن يحيى
النجمي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه وبعد
:
فقد عرض على أخونا في الله عبد الله بن صلفيق الظفيري كلمته التي كتبها عن
الركائز التي ينبغي لطالب العلم أن يسلكها ، فرأيتها كلمة ممتازة ، وفق فيها إلى
حصر الركائز التي يحتاج إليها طالب العلم ، والتدليل عليها من الكتاب والسنة
.
وبالجملة : فقد أجاد وأفاد ، فجزاه الله خيراً ، وبارك فيه ، وكَثَّر من أمثاله
، وإني لأحث طلاب العلم على حفظ هذهِ الركائز والعناية بها ، وبالله التوفيق
.
كتبه
:
أحمد بن يحيى النجمي
.
27/4/1421
هـ
.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على رسول الله
أمـــــا
بعــــد
:
فهذه كلمات
يسرة
في بيان الأسس المهمة التي يحتاجها السالك مسلك طلب العلم ، أوصي وأذكر بها
نفسي
وإخواني ، فإن من رام طلب العلم وأراد تحصيله فلا بد له من ركائز وأسس عشرة
:
أولا : الاستعانة بالله عز وجل
فالمرء ضعيف لا حول
ولا قوة له إلا بالله ، وإذا وكل إلي نفسه هلك وضاع ، وإذا وكل أمره إلي الله تعالي
واستعان به على طلب العلم فإن الله تعالي يعينه ، وقد حث الله عز وجل على ذلك في
كتابة الكريم ، فقال تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وقال تعالى : (ومن يتوكل
على الله فهو حسبة ) [ الطلاق :3]أي : كافية ، وقال تعالى : ( وعلي الله فتوكلوا إن
كنتم مؤمنين ) ]المائدة :23]
ويقول النبي صلي الله عليه وسلم : " لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما
يرزق الطير ، تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً .
وأعظم الرزق : العلم ، ونبينا محمد صلي الله عليه وسلم كان دائما متوكلا مستعينا
بربه في أموره كلها . وفي دعاء الخروج الثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم دلاله
على ذلك حيث كان يقول ( باسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.)
ثانياً : حسن النية
فالمرء
نيته لله عز وجل في طلب
العلم
مخلصا لله في ذلك لا يريد سمعة ولا شهرة ، ولا عرضاً من أعراض الدنيا
.
ومن جعل نيته
لله وفقه الله تعالي وأثابه على ذلك ، لأن العلم عبادة بل من
أعظمها .
والعمل لا
يكون العبد مثاباً عليه إلا إذا كان خالصاً لله تعالى متبعة
فيه
للرسول صلي الله عليه وسلم ، والله عز وجل يقول ، ( إن الله مع الذين اتقوا
والذين هم محسنون ) [ النحل :128[.
وأعظم التقوى
: إخلاص النية لله ، والمرائي
في
طلب العلم . فضلا عن خسارته في الدنيا فإنه معاقب في الآخرة ، كما جاء في
الثلاثة الذين يسحبون على وجوههم في النار ، ومنهم رجل طلب العلم ليقال : عالم ،
وقد
قيل
.
ثالثا : التضرع إلي الله
تعالى وسؤاله التوفيق والسداد
ودعاؤه
ربه الاستزادة من طلب العلم ، فالعبد
فقير
، محتاج إلي الله غاية الحاجة ، والله تعالى حث عبادة إلي سؤاله والتضرع إليه
،
فقال : ( ادعوني أستجب لكم ) [ غافر :60[
.
وقال النبي
صلي الله عليه وسلم
: (
ينزل
ربنا كل ليلة إلي سماء الدنيا ، فيقول : من يدعوني فأستجب له ، من يسألني
فأعطية ، ومن يستغفرني فأغفر له)
.
والله عز وجل
أمر نبيه أن يسأله الاستزادة
من
العلم ، فقال تعالى : ( وقل رب زدني علما ) [ طه : 114] . وقال تعالى على لسان
إبراهيم علية السلام :( رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين ) [ الشعراء : 83] والحكم
: هو
العلم ، كما قال النبي صلي الله عليه وسلم ( إذا اجتهد الحاكم … الحديث.(
والنبي صلي
الله عليه وسلم دعا لأبي هريرة رضي الله عنه بالحفظ ، ودعا لابن
عباس
– رضي الله عنهما – بالعلم فقال : ( اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل
)
فاستجاب الله دعاء نبيه ، فكان أبو هريرة رضي الله عنه لا يسمع شيئا إلا حفظة ،
وأصبح
ابن عباس – رضي الله عنهما – حبر الأمة وترجمان القرآن ولا يزال العلماء علي
هذا
يتضرعون إلي الله ويسألونه العلم ، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله
تعالى
– يذهب إلي المساجد ، ويسجد لله ويسأله فيقول : يا معلم إبراهيم علمني ، ويا
مفهم
سليمان فهمني . فاستجاب له دعاءه ، حتى قال ابن دقيق العيد عنه : قد جمع
الله
له العلم حتى كأنه بين عينيه يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء
.
رابعا : صلاح القلب
فالقلب وعاء العلم، فإن
كان الوعاء صالحاً خزن ما فيه وحفظه ، وإن كان الوعاء فاسدا ضيع ما فيه .
والرسول صلي الله عليه وسلم جعل القلب أساس كل شئ ، فقال : ( ألا وإن في الجسد مضغه
، إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب) .
وصلاح القلب يكون بمعرفة الله تعالي بأسمائه وصفاته وأفعاله والتفكير في مخلوقاته
وآياته ، ويكون بتدبير القرآن العظيم ، ويكون كذلك بكثرة السجود وقيام الليل .
ويتجنب مفسدات القلب وأمراضه ، فإنها إن وجدت في القلب فإنه لا يستطيع حمل العلم ،
وإن حمله لا يفقهه ، كما قال الله تعالى عن المنافقين مرضى القلوب : ( لهم قلوب لا
يفقهون بها ) [ الأعراف : 179] .
وأمراض القلوب نوعان : شهوات ، وشبهات :
فالشهوات : كحب الدنيا وملذاتها ، والانشغال بها ، وحب الصور المحرمة ، وسماع
المحرمات من الأصوات والمزامير والغناء ، وكذلك النظر المحرم .
والشبهات : كالاعتقادات الفاسدة ، والأعمال المبتدعة ، والانتماء للاتجاهات الفكرية
البدعية المخالفة لمسلك السلف الصالح .
ومن أمراض القلوب الصادة عن العلم أيضا : الحسد ، والغل ، والكبر .
ومن مفسدات القلب أيضا : فضول النوم ، وفضول الكلام وفضول الكلام وفضول الطعام .
فتجنب هذه الإمراض والمفسدات صلاح للقلب .
خامسا : الذكاء
والذكاء يكون جلبة ، ويكون
مكتسباً ، فإن كان المرء ذكيا قواه ، وإلا مرن نفسه حتى يكتسبه .
والذكاء من الأسباب القوية المعنية علي تحصيل العلم ، وفهمه وحفظه ، والتفريق بين
المسائل ، والجمع بين الأدلة وغير ذلك
.
سادسا : الحرص علي
تحصيل العلم سبب لتحصيله وإعانة الله تعالى له
والله تعالى يقول :
( إن الله مع الذين اتقوا والذين هو محسنون ) [ النحل : 128]. والإنسان إذا عرف
أهمية الشيء حرص على تحصيله ، والعلم أعظم شيء يتحصله المرء .
فعلى طالب العلم : الحرص الشديد على حفظ العلم وفهمه ، ومجالسه العلماء والتلقي
عنهم ، ويحرص على كثرة القراءة ، واستغلال عمره وأوقاته ، ويكون شحيحاً جدا على
وقته .
سابعا : الجد والاجتهاد والمثابرة على التحصيل
العلمي
والابتعاد عن الكسل والعجز
، ومجاهدة النفس والشيطان فالنفس والشيطان مثبطان عن طلب العلم .
ومن الأسباب المعينة على الاجتهاد في الطلب : قراءة تراجم العلماء وصبرهم وتحملهم ،
ورحلاتهم في تحصيل العلم والحديث
.
ثامنا : البلغة
وهي أن يفرغ الطالب غاية
جهده حتى يبلغ مراده في العلم والقوة فيه : حفظاً وفهماً ، وتعقيداً
تاسعا : صحبه الشيخ المعلم
فالعلم يؤخذ من أفواه
العلماء ، فالطالب لكي يرتكز في طلبه للعلم على ركيزة صحيحة : عليه أن يجالس
العلماء ، ويتلقى منهم العلم ، فيكون طلبه على قواعد صحيحة ، يتلفظ بالنص القرآني
والحديث تلفظا صحيحا لا لحن فيه ولا تصحيف ، ويفهمه الفهم الصحيح المراد ، وفضلا عن
ذلك فإنه يستفيد من العالم : الأدب ، والأخلاق ، والورع ، وعليه أن يتجنب أن يكون
شيخه كتابة ، فإن من كان شيخه كتابه ، كثر خطؤه وقل صوابه .
ولا زال هذا الأمر في الأمة إلي وقتنا هذا ، وما برز رجل بالعلم إلا كان متربيا
متعلما على يد عالم.
عاشرا : طول الزمان
فلا يحسب طالب العلم أن
طلبه يتم بيوم أو يومين أو سنة أو سنتين بل إن طالب العلم يحتاج صبر سنين .
سئل القاضي عياض – رحمه الله تعالى :-إلي متي يطلب المرء العلم .
فقال : حتى يموت فتصب محربته على قبره.
وقال الأمام أحمد : جلست في كتاب الحيض تسع سنين حتى فهمته.
ولا زال طلاب العلم الأذكياء يجالسون العلماء العشر السنين والعشرين سنة ، بل إن
بعضهم يظل يجالسه حتى يتوفاه الله .
فهذه بعض الركائز التي
ينبغي أن ينتبه لها الطالب لتحصيله العلمي .
أسأل الله صلي الله عليه وسلم أن يوفقني وإياكم إلي العلم النافع ، والعمل الصالح ،
وصلي الله على نبينا محمد ، وعلي آله وصحبه ومن تبعهم واقتفي أثرهم بإحسان إلي يوم
الدين .
تم ولله الحمد
.
حمل الكتاب من هنا
تم تحميل الأصل من شبكة إقرأ السلفية
ونسقه : أبو عبد الله الآجري
|